ما أهمية ذلك؟
توفير بيانات اقتصادية تصلح للتوظيف وبناء دعاية سياسية تقوم على افتراض تحسن أداء الاقتصاد وانطلاقه نحو التعافي وتجاوز المشكلات التي تواجهه.
المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك اردول كتب على صفحته :”هل تعلم إنّ معدل التضخم السنوي في العام 2021م كان 359.09% ومنه بعد عشرة أشهر في أغسطس المنصرم 2022م أصبح 117% فقط، بفرق قدره (242.09%) مع استقرار لسعر الصرف وتوفر للدولار في البنوك والصرافات واختفاء السوق الموازي للدولار وتوفر الوقود واختفاء السوق الموازي له أيضاً وتوفر الخبز وتوفر الغاز واستمرار الإمداد الكهربائي دون قطوعات مجدولة واختفاء الصفوف
ويردف”أليس هذا عملاً جباراً يجب أن يسجل لصالح الجهات العاملة في القطاع الاقتصادي الآن؟”
تتناقض هذه المؤشرات مع أداء الاقتصاد في السودان، ومع جوهر الفكرة التي يصفها التضخم وهي الارتفاع المفرط بالأسعار أو عنصر من عناصر الدخل كالأجور والأرباح.
يؤكد خبراء أن التقارير التي تصدر عن الجهاز المركزي للإحصاء لا تتحلى بالدقة والشفافية وربما أغفلت بعض الجوانب المهمة عمداً من أجل الوصول لهذه النتائج، لذا فهي غير حقيقية وغير موثوقة.
ويقول الخبير الاقتصادي عصام بوب لسودان تربيون: “للأسف دائما ما يحدث لدينا ربط بين المؤشرات العلمية، العملية وبين السياسة، لذلك لا أثق كثيراً ببعض التقارير الإحصائية التي تصدر لأنها لا تعتمد على مسوحات إحصائية واقعية ومع المناخ السياسي العاصف قد لا تكون حقيقية
كيف يمكن أن ينظر لهذه البيانات في ظل الارتفاع الصاعد للأسعار المضطرد؟
مؤشر أسعار المستهلك (CPI) هو أحد أهم المؤشرات الاقتصادية، يستطرد بوب قائلا : أصبحت مؤمنا بأن لا أحد يهتم بالحقيقة ولا بأهمية هذه المقاييس، إنّهم يتحدثون عن انخفاض والعيان الشاهد يقول انها لا تنخفض.
نوع جديد من التضخم
عرفت الاقتصاديات في جميع دول العالم التضخم، وهي ظاهرة لصيقة بالحياة الاقتصادية،لكن تدهور معدلات النمو الاقتصادي،وتعايش البطالة مع التضخم، وتزايد العجز في موازين المدفوعات، وركود التجارة الدولية، إلى جانب بروز أزمة الطاقة،وتفاقم مشكلة المديونية الخارجية، هذه العوامل جميعا قادت لظهور نوع جديد من التضخم لم يعرفه الفكر الاقتصادي من قبل سبعينات القرن الماضي وهو “التضخم الركودي”
هل يعاني السودان بالفعل من هذه الظاهرة؟
إن كان التضخم مفرداً هو الانخفاض في القيمة الشرائية للعملة الوطنية مقابل القوة لشراء السلع والخدمات أي أن قيمة البنكنوت تضعف أمام أسعار السلع، لكن مع هذا تكون الدورة الاقتصادية تعمل وربما تزداد حركة الأسواق في التبادل والتجارة، فإنّ الكساد هو تباطؤ أو توقف الدورة الاقتصادية وانعدام فرص العمل وتدني الأجور.
في التضخم تكون السلعة، موجودة لكنها غالية أما في الكساد قد توجد السلعة ولكن يتدنى سعرها لانعدام دخول المستهلكين.
لكن متى اجتمع التضخم وأمتزج بالكساد بما يعني وجود السلعة وارتفاع سعرها على الرغم من أنّ المستهلك لا يملك ثمن شرائها فإنّ ذلك هو “التضخم الركودي” عينه.
ما هو أثر الظاهرة على السوق؟
من أجل تتبع هذه الظاهرة، وتلمس أثرها في السوق سألنا شريحة من أصحاب الإعمال، يعملون في قطاعات تجارية متنوعة، اتفقت الإفادات على أن السوق يشهد كساداً عظيماً، ويجمع إلى ذلك ارتفاعاً في الأسعار مرده لارتباط مخرجات الإنتاج بالدولار، لذلك ستبدأ رحلة ارتفاع الأسعار تواكب ارتفاع صرف الدولار وصولاً إلى الذروة.
قال “مصطفى” وهو يعمل في تجارة أنظمة الطاقة الشمسية، كنا في العام 2019 نبيع النظام الأصغر لدينا بما يعادل (700 دولار) اليوم تبلغ قيمته (3000 آلاف دولار)نعاني من الكساد ولكن نفضل أن تظل أجهزتنا بمستودعاتنا على أن نخفض أسعارها لأن ذلك يعني الخسارة فادحة.
قال وكيل أحد مصانع الحديد والصلب ويعمل في سوق السجانة بالخرطوم:”انفلتت أسعار حديد البناء بنهاية العام 2019 انطلاقاً من (50 ألف جنيه سوداني) للطن وتوالى ارتفاعها لتبلغ منتصف هذا العام ما قيمته (670 ألف جنيه سوداني) قبل أن تعود وتستقر في سعر (450 جنيه سوداني) للطن، يؤكد حاتم إن أسعار حديد البناء ترتبط وثيقاً بسعر صرف الدولار.
وبحسب أستاذ الاقتصاد بجامعة “جونز هوبكنز” “ستيف هانكي” الذي تصدر عنه قائمة هانكي لمراقبة العملات: “انخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار بنسبة 84.95٪ منذ يناير 2020”
كم يكلف متوسط سعر الخبز في السودان؟
اختفت طوابير الخبز كما أشار إلى ذلك أردول في تغريدة نشرها على تويتر، لكن ربما ارتبط ذلك بحالة “التضخم الركودي” بمعنى أن الخبز متوفر ولكن شريحة واسعة من الناس لا تملك ثمنه.
في حسابه لمتوسط سعر الخبز في السودان قال موقع (numbeo.com) وفقاً لرصد مستخدمي الموقع لحساب تكلفة المعيشة لكل دولة فإنّ سعر ربطة أرغفة من الخبز في السودان يكون (0.85 دولار.
يبلغ سعر (10 قطع خبز500 جنيه سوداني) بناء على تسعيرة المخابز التي تعمل بالخرطوم.
في ذات الخصوص يشتكي مزارعون التقتهم “سودان تربيون” من الزيادة الحادة في أسعار استهلاك الكهرباء بالقطاع الزراعي إذ ارتفعت التكلفة من 1.6 جنيه للكيلووات إلى 17 جنيه للكيلو وات ساعة بمشاريع الاستثمار الزراعي المحلى، ونقلت (رويترز) عن وزير الطاقة محمد عبد الله محمود قوله: “إن من الصعب على الحكومة في الظروف الحالية تقديم الدعم بالطريقة القديمة”.
يقول سلمان أبو زيد وهو صاحب مشروع زراعي، إن تكلفة الري بالكهرباء ارتفعت أضعافاً مضاعفة، إلى جانب ارتفاع أسعار التواريب، أفضى لأن ترتفع تبعاً لذلك أسعار المنتجات الزراعية التي ينتجها لكنه يواجه كساداً شديد يسلمه إلى خسائر فادحة في بعض الأحوال نتيجة تلف المحصول من خضروات وغيرها.
يعلق كثير من الخبراء الاقتصاديين مشكلات الاقتصاد السوداني بالسياسيين الحاكمين وخياراتهم وطريقة ترتيبهم للأوليات، على نحو ما عبّر د. خالد التجاني: “إنّ الاقتصاد لا يعمل في فراغ، لذلك اعوجاجه يعني بالضرورة اعوجاج النظام السياسي، واستقامته دليل على سلامته”.
يشار إلى الهدف الذي وضعته وزارة المالية بين يدي موازنة 2022 وهو “تحقيق استقرار اقتصادي عبر تحقيق استقرار سعر الصرف وخفض معدلات التضخم، وتحقيق عجز الموازنة في الحدود الآمنة” فهل تحقق ذلك الهدف مهما يكن على الورق في تقارير الجهاز المركزي للإحصاء التي وصفها خبراء اقتصاديون بأنها غير دقيقة فيما قال الدكتور عصام بوب بعبارة دبلوماسية: “لا أثق كثيراً ببعض التقارير الإحصائية التي تصدر لأنها لا تعتمد على مسوحات إحصائية واقعية ومع المناخ السياسي العاصف قد لا تكون حقيقية
الخرطوم ـ الموجز السوداني