تقرير _أحمد قسم السيد
لم يفيق الشارع السوداني من الصدمة التي لحقت به جراء الزيادات الاخيرة التي طبقتها الحكومة في اكثر من قطاع، اخرها زيادة اسعار الوقود والكهرباء والخبز، ليطلم المواطن في خده مجدداً بتحرير سعر الصرف، الذي سوف يشعل نار الاسعار الى مالات لا يحمد عقباها بحسب مراقبون للوضع الاقتصادي، ليفتح القرار الاخير الباب واسعاً للتهكم والتندر من قبل رواد التواصل الاجتماعي، الذين ووصفوا القرار بانه هروب الي الامام. (الحراك) وضعت قرار بنك السودان المركزي امام منضدة خبراء الاقتصاد ليرسموا مستقبل القرار والي أين سيقود الاقتصاد للسوداني للهاوية ام سيخرجه من عنق الزجاجة.
محاصرة الدولار:
قرر بنك السودان المركزي فك قيد البنوك التجارية، لوضع تسعيرة مناسبة لسعر الصرف، الجنيه مقابل “سلة” العملات الأجنبية. بعد أعلن خروجه رسمياً وبصورة نهائية من عمليات تحديد أسعار بيع وشراء العملات الحرة، وتأتي الخطوة – بحسب المركزي- ضمن سياسة نقدية جديدة، أقرها لمحاصرة انهيار العملة المحلية وتستهدف القرارات بشكلٍ خاص استعادة تحويلات المغتربين، بعد تحولهم إلى السوق الموازية جراء الفروقات الكبيرة بينها والبنوك والمصارف التجارية. وقال البنك في تعميم صحفي أمس الأول إن السياسة الجديدة من شأنها إحداث استقرار اقتصادي، وزيادة قدرة البنوك على استقطاب الموارد.
قفزة فوق الظلام:
وفي تعليقة على خطوة تحرير سعر الصرف، قال الخبير غي شئون المال والاعمال علي الله وقيع الله إن الخطوة مكلفة جداً فهي بلا شك قفزة فوق الظلام ، و غير محسوبة المخاطر، لاسيما وان نشاط السوق الموازى ظل يتفاعل بذكاء و دهاء شديدين مع سعره المرتقب و تعاملاته فى السوق الموازى، و ظل طوال الفترة الماضية –والحديث لـ”على الله- مراقبا و متابعا بدقة لتعاملات سوق النقد الأجنبى ، و ظل يرسل إشارات هدنة احيانا، و انه سيرفع السعر فى سوقه فى حدود مبالغ محدودة، وسيظل في حالة ترقب وحذر شديدين تجاه سعره فى السوق الموازى و يقرأ المشهد من على البعد.
وتساءل على الله هل البنك المركزي له القدرة على ضخ مبالغ من النقد الاجنبى كافية لمقابلة الطلب المتزايد فى هذه الفترة ام لا ؟ وحال تأكد للسوق الموازى عدم مقدرة المركزى ، و عدم صدقية تصريحات الحكومة، سيبدأ بزيادة سعر الصرف بكثافة كاستحابة ملحة، وتبدأ رحلة الانهيار المتواصل و المستمرة للجنيه السوداني و ها هى الان قرابة الـ”600″ جنية مقابل الدولار بـ الموازى ، فى حين ظل السعر المعلن بواسطة المصارف بعيدا عنه.
مخاطر محتملة:
وتوقع وقيع الله ان تواجه المصارف تحديات حقيقية بعد تطبيق قرار التحرير تتمثل فى بروز مشكلة عدم توفر سيولة كافية لعدد كبير من المصارف لإتمام عمليات البيع و الشراء، لاسيما و ان نسبة كبيرة من السيولة الان خارج الجهاز المصرفى، بأيدى تجار العملة، و قطاعات كبيرة من المواطنين، بجانب عدم توفر سيولة للمصارف للمقابل للنقد الأجنبى، و هذا مما قد يدفع بالاحجام عن التعامل مع المصارف من قبل كثير من الجمهور فى إتمام عمليات التحويل الداخلي للنقد الأجنبى، فضلا عن حدوث بيروقراطية البنوك في تسليم العملاء لاموالهم السودانية التي باعوا لها عملتهم الاجنبية، بسبب التعقيدات والإجراءات الإدارية المتبعة للبنوك، علاوة على ذلك تحدى آخر قد يواجه المصارف هو محدودية ساعات عملها أثناء اليوم، بجانب عدم كفاءة وسائل الدفع الإلكترونى، وسوء وتدنى خدمات الصيرفة الاليكترونية، وضعف خدمة شبكة شركة السودان للخدمات المصرفية.
اختلالات هيكلية:
وأشار إلى اختلاف كبير بين سعر الصرف الحر الحالى للمصارف وشركات الصرافة ، وعن السعر بالسوق الموازى، وذلك نتيجة لجملة من الاختلالات الهيكلية التى ظلت ملازمة للاقتصاد السودانى والتى ظهرت مؤخرا بكثافة، المتمثلة فى تزايد نشاط المضاربات فى الأسواق، و التى اصبحت السمة البارزة فى الاقتصاد السودانى فى الراهن المعاصر، والظاهرة المؤثرة في السنوات الأخيرة بكثافة، ظلت هذه الظاهرة مصدر عدم إستقرار مهم فى سوق العملات الاجنبية الشحيحة اصلا، كما برزت بجانب ذلك ظاهرة شراء الحكومة و مؤسساتها المختلفة للعملات الاجنبية من السوق الموازى بكثافة، لتسوية وإتمام عمليات شراء السلع الاستراتيجية، و غيرها من التعاملات التى تعنيها.
قراءة المشهد:
وقال الخبير على الله وقيع لـ (الحراك) من الاجدر على المركزى، وقبل الاتجاه نحو التحرير الكامل، اجراء المزيد من الدراسات والابحاث العلمية والاقتصادية، بدلا من الركون لبرنامج التسهيل الاتنمائى الممتد، والبرامج الاقتصادية الأخرى، والتأكد من دقة فاعلية مثل هذه القرارات المؤثرة على حياة و معاش المواطنين، ورصد التأثيرات المحتملة، خاصة المتصلة بمعدلات التضخم العالية الماثلة فى الراهن اليومى المشاهد، التى بلغت اكثر ٤٠٠% و المزيد فى مقبل الايام، ما يتطلب الامر من حكومة الفترة الانتقالية الحالية، ايجاد حلولا لذلك المسبب، وعلاج الاختلالات فى الموازنة العامة للدولة وهيمنة السياسة المالية، التى تعتبر هى المصدر الرئيس لذلك، والنظر فى المخارج والحلول لمشاكل القطاع الخارجى، وتحديدا الميزان التجارى، بهدف تحديد السعر التوازنى الحقيقى، ومن ثم اختيار السياسة المثلى لسعر الصرف الذى يتناسب و معطيات الاقتصاد السودانى فى هذه الفترة.
قرار كارثي
بالمقابل وصف عضو اللجنة الاقتصادية لقوي إعلان الحرية والتغيير محمد شيخون قرار تحرير سعر الصرف بـ”الكارثي” وبغير المدروس، لانه يعني تقنين الارتفاع المستمر للدولار وانخفاض قيمة الجنيه السوداني، خاصة وان القرار يأتي في ظل ظروف الخزينة العامة للدولة خاوية على عروشها من النقد الإجنبي” معدداً سلبيات قرار التحرير أولها تقنين إرتفاع الدولار، بجانب زيادة مستمرة في المعدل العام لاسعار السلع ،وتهاوي قيمة الجنيه السوداني.
ورهن شيخون في حديثه لـ”الحراك” نجاح سياسية التحرير ببناء إحتياطي ضخم من الذهب، وهذا يتطلب سيطرة الدولة عليه وإغلاق منافذ التهريب لمقابلة إحتياجات إستيراد السلع الإستراتيجية لتخفيف حجم الطلب على الدولار، واضاف قائلا :اذا حدث ذلك ربما يؤدي الأمر إلى تحسين في قيمة العملة الوطنية.
القيادة نحو الهاوية:
في سياق آخر أعلن اتحاد الغرف التجارية، الذي يضم قائمة عريضة من كبار رجال المال الأعمال في الدولة، رفضه لقرار تحرير سعر الصرف، مبينا بانه سيعمل على زيادة المضاربة وتعميق الأزمة الاقتصادية والقيادة نحو الهاوية، وتبرأ الاتحاد بحسب أمينه العام الصادق جلال من المشاركة في أصدار القرارات الاقتصادية الاخيرة، وأكد ان ما صدر من قرارات إقتصاددية مؤخراً لم تتم فيه مشاورة الاتحاد ولا إشراكة قبل أصدارها، مشيراً إلى أن القرار لا يتناسب تماماً مع الوضع القائم الان، بل العكس يزيده تعقيداً، واوضح أن الملف الاقتصادي الآن لا أهداف ولا رؤية ولا مستقبل له.