للسودانيين عبارة شعبية شهيرة تقول “رَكِبَ التونسية” تقال لتوصيف من يتعرض لكارثة، ولا أدري ما علاقة “التونسية” بالكوارث لكن الأمثال الشعبية أحياناً مثل اللوحة التشكيلية لا تفسر بل تستلهم.
أمس الأول؛ أدار الشعب السوداني انتباهه تلقاء تونس وهو يرى “ست الاسم” نفسها “تركب التونسية” بقرار رئيس الجمهورية قيس سعيد تعطيل البرلمان وإسقاط حصانة النواب وحل الحكومة وغيرها.
ورغم أن تونس لا تقع في المدار الإخباري الذي يتابعه السودانيون ربما لبعدها جغرافياً، إلا أن اهتمام السودانيين بما جرى هناك سببه الرئيسي الإحساس الكامن في ضمير الشعب السوداني أن “ركوب التونسية” أمر وارد أيضاً في بلاد النيلين.
تونس تعرضت لاختناق سياسي أثر كثيراً على أوضاعها الاقتصادية و الأمنية وحتى الصحية، وبدلاً من أن يهتم الساسة وعلى رأسهم حزب النهضة بالتركيز على ما ينفع البلاد إنغمسوا في محاككات سياسية غير آبهين بالخطر الداهم الذي تقترب منه البلاد كلها.. وهو السيناريو ذاته الذي يكابده السودان حالياً، أزمة سياسية خانقة تظهر أعراضها في حمى اقتصادية رفعت الأسعار والمعيشة إلى درجة الانصهار.
صحيح لا أحد يتمنى مثل هذه السيناريوهات المرعبة، التي بين غمضة عين وانتباهتها تذوب فيها شمعة الديموقراطية لصالح الشمولية، لكن الأمر ليس بالتمني، السلوك السياسي المعوج هو الذي يفضي لمثل هذه النتائج المفجعة..
الآن في السودان، لن يجد أحد البرلمان ليعلن تعطيله أو حله، فهو “محلول” بالفطرة، لم يولد بعد.. ولا أحد يحتاج للبحث عن المحكمة الدستورية فالدستور أصلاً غير موجود تقوم مقامه وثيقة دستورية ولدت بـ”الحبل” وتعاني من تشوهات مزمنة غير قابلة للعلاج..
ولو أراد أحد هنا في الخرطوم اقتباس تجربة قيس السعيد، و”ركوب التونسية” فلن يجد ما يحله ولا يعطله..
مثل هذا الوضع أقرب إلى القصة التي درسناها في كتاب المطالعة بالمرحلة الإبتدائية، حينما قفز الفأر في كأس النبيذ وشرب حتى الثمالة ثم وقف في أعلى مكان وصاح “أين القطط؟”.. وما أكثر القطط الآن في السودان التي لا تنتظر “المنادي”.
المسرح جاهز في السودان، فرئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك قال (أن التشظي اجتاح المشهد السياسي والمدني وحتى العسكري).. شظايا حمدوك هذه لم يظهر في الأفق ما يؤكد أنها التأمت أو في طريقها للتناغم في مركب واحد.. وفي مثل هذه الأجواء الانشطارية لن يحتاج الفأر للصياح (أين القطط)!!
“ركوب التونسية” في المشهد السوداني أمر لن يدهش أحد، بل ربما هو سيناريو أقرب إلى الواقع، مالم ينتبه الجميع ويمسكوا كلهم بالمجاديف لتعبر المركب إلى بر السلامة..
ليست مسؤولية حمدوك وحده ولا الحكومة، هي مسؤولية الجميع فالمصير واحد إن صدر النداء الأخير بالتوجه إلى صالة المغادرة استعداداً للصعود إلى “التونسية”
نقلا عن صحيفة التيار