(1)
مبادرة حمدوك التي أقامت الدنيا ولم تقعدها أهم ما فيها أنها نقلت المباراة التي يخوضها السودان إلى الداخل، فحمدوك ومجموعته التي استلمت مقاليد الأمور بعد امضاء الوثيقة الدستورية كانت ترى ان مشكلة السودان هي العزلة الدولية والحصار المفروض عليه من قبل أمريكا وبالتالي بذلت حكومتا حمدوك الغالي والنفيس لمعالجة الجبهة الخارجية وحققت نتائج إيجابية حيث كان الرفع من القائمة الامريكية الملعونة وكان انهاء الحصار وكانت المصالحة مع المؤسسات المالية الدولية وكان الاقتراب الإيجابي من الديون وتم كل هذا بثمن باهظ ويتمثل في التتبيع والتطبيع والسياسة الاقتصادية القاسية من رفع دعم وتعويم جنيه وتحرير اقتصادي شامل، فالمفارقة تكمن في ان البلاد كدولة تنفست بعد كتمة ولكن البلاد كشعب انكتم من الغلاء الفاحش واصبح يبحث عن النفس.
(2)
كان حمدوك يظن ان العبور نحو الضفة التي فيها العالم كفيل بحلحلة المشاكل الداخلية لذلك كان يهون من كل المعضلات المحلية فوصل الداخل مرحلة الخطر؛ فكان اعتراف حمدوك بذلك ولأول مرة في مبادرته في يوم الثلاثاء الماضي؛ حيث قال ان البلاد في حالة سيولة سياسية قد تجرف الجميع وفي حالة هشاشة امنية قد تحرق الجميع وفي حالة ازمة اقتصادية قد تفني الجميع وبالتالي لا بد من خطوات تنظيم حتى ينجو الجميع. ويحمد لحمدوك انه لم يستسلم ويترك الجمل بما حمل وينجو بجلده؛ بل قرر ان يخوض المرحلة القادمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ فاصبح كالمدرب الذي خاض مباراة الذهاب وخسر النتيجة فقرر ان يعوض في مباراة الإياب وهي مباراة في ملعبه ووسط جمهوره لذلك طالب الجمهور بالوقوف مع الفريق.
(3)
في تقديري ان الشعب (الجمهور) كل الشعب باستثناء محترفي السياسة يعرف جيدا ان حياته في تعافي وطنه ولكن يبقى واجب الحكومة التي قرر حمدوك (المدرب) مواصلة قيادتها اصلاح خطوط الفريق ووضع الخطة اللازمة التي تمكنه من رد الاعتبار في مباراة الإياب فالمطلوب من حمدوك في المرحلة القادمة – مرحلة ما بعد المبادرة – خطوات تنفيذية تصلح من الأوضاع الداخلية خاصة الأوضاع المعيشية المتردية وإخراج البلاد من السيولة السياسية إلى شيء من الصلابة وانهاء الهشاشة الأمنية، وهذا يتطلب من حمدوك اختيار الفريق الذي سيخوض به مباراة الإياب فعامان كفيلان بجعله يدرك العناصر القوية في الوطن. اننا نعتبر مبادرة حمدوك عبارة عن اخطار للمواطنين بالحالة التي وصلت اليها البلاد لكي يفوضه الشعب لاتخاذ السياسات التي يراها لتغيير وتقويم الأوضاع المايلة سيكون من الخطل لا بل من الخطر بمكان اذا اعتبرنا ان مبادرة حمدوك هي ارجاع الكرة لملعب الشعب فهذا هو الانكار بعينه.
(4)
لقد كان حمدوك في السنتين الماضيتين كالمدرب القادم من الخارج والذي يعرف جيدا مكامن القوة والضعف في الفريق الخصم (الجبهة الخارجية) ولكنه يجهل مكامن القوة والضعف في فريقه (الجبهة الداخلية) فنجح في احراز أهدافا في مرمى الخصم ولكن دخلت مرمى فريقه اهداف ايضا وبما ان الهدف في أرض الخصم بهدفين فالفرصة امام حمدوك مازالت موجودة لكي يصعد بالفريق للمرحلة القادمة وبالتالي عليه ان يشرع فورا في وضع خطته واختيار العناصر التي سيخوض بها مباراة الإياب، ومن المؤكد ان الطريق امام حمدوك ليس معبدا وهو محاصر ليس بالمعارضين فحسب بل بالموالين الذين ذاقوا طعم السلطة، ولكن في النهاية تبقى المسؤولية مسؤوليته، ونواصل إن شاء الله.
نقلا عن السوداني