إزالة الدعم عن المحروقات…. مخاوف الصدام
تقرير: حنان عيسى
في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن جني ثمار الثورة فيما يلي تحسين الأوضاع الاقتصادية، تجيء المعالجات الحكومية للأزمة بشكل مغاير لما كان متوقعاً؛ مما أثار سخط الشارع الذي يعيش الآن حالة من الغليان جراء الارتفاع الجنوني للأسعار، وتفاقم الضائقة المعيشية، دون أن يكون هنالك حل يلوح في الأفق القريب، والآن وسط مخاوف من الصدام مع قوى الثورة، وبعد زيادة التوتر في البلاد باستمرار التصعيد الثوري في الشوارع، لاسيما عقب قرار رفع الدعم عن الوقود الأخير، أعلن مجلس الأمن والدفاع عن اتخاذ العديد من التدابير والموجهات ــ لم يفصح عن ماهيتها ــ قال إن من شأنها امتصاص آثار هذه الزيادة … فهل هنالك بارقة أمل في التعافي؟..
بالرغم من إعلانها في وقت سابق عدم نيتها رفع الدعم عن المحروقات بشكل كامل، إلا أن اللافت في الأمر أن الحكومة الانتقالية بدأت منذ وصولها للسلطة في انتهاج سياسة تحرير المواد البترولية، وظهر ذلك جلياً أثناء إعداد الموازانة، وأن قرار رفع الدعم عن الوقود اتخذته منذ فترة طويلة، ولم يطبق لترتيبات متعلقة بالوزارة المختصة.
ونذكر أن الحاضنة السياسية للحكومة عارضت في وقت سابق رفع الدعم عن الوقود، وقد ظل موقفها من رفع الدعم ثابتاً منذ العام 2019؛ لجهة أن رفع الدعم عن السلع الأساسية سيؤدي إلى آثار كارثية على المواطن الذي يعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، بينما تباينت آراء الخبراء حول الحجج التي ساقتها الحكومة لإزالة الدعم، فمنهم من وصفها بالمعقولة والشجاعة؛ لجهة أنها خطوة كانت تخشاها الحكومة السابقة، كما اعتبرها آخرون واهية واستهلاكية، باعتبار أن معالجة الاقتصاد تتحقق بالإنتاج.
وفي المنحى ذاته دعت قوى الإجماع الوطني المجلس المركزي للحرية والتغيير لاجتماع عاجل؛ لوضع خطة لمقاومة السياسات الاقتصادية بكل الوسائل السلمية، على خلفية زيادة أسعار الوقود، باعتبار أنها ضد توجهات الثورة. واعتبر تجمع المهنيين سياسات الحكومة الانتقالية نسخة من نظام البشير، ودعا القوى الثورية لتشكيل تحالف ثوري لإسقاط هذه القرارات واستعادة الثورة.
أزمة قرار
وانتقد الخبير القتصادي د. محمد الناير قرار رفع الدعم، ووصفه بغير الصائب لجهة أنه لم يراعِ ظروف المواطن المعيشية، ويكشف عن أزمة في اتخاذ القرار الاقتصادي. وقطع الناير بعدم وجود سبب كافٍ لإزالة الدعم، وقال إن الحكومة الانتقالية طبقت القرار امتثالاً لروشتة النقد الدولي، وتدبير أموال عملية السلام. وأضاف: “ظلت تغزو المجتمع الخارجي وتسعى لإرضائه، دون أن تسعى لإرضاء المواطن السوداني”، وأردف أن النتائج الحالية زادت من صعوبة المعيشة، خاصة في قطاع حيوي كالنقل، في وقت لا تملك فيه أوعية، وأكد أن أكثر من (90%) من قطاع النقل يسيطر عليه القطاع الخاص، والدولة ليس لها سلطة عليه؛ مما يؤدي إلى فوضى في القطاع، وتوقع توقف عجلة الإنتاج تماماً، وارتفاع التضخم إلى (500%) في يوليو القادم.
أرقام وإحصائيات
الجدير بالذكر أن النظام البائد حاول في العام 2013م رفع الدعم بشكل جزئي؛ مما أدى لاحتجاجات راح ضحيتها عدد من الضحايا، وقالت الحكومة إنها تدعم الوقود بنحو (2.250) مليار دولار سنوياً، وحسب إحصاءات وزارة الطاقة، فإن الإنتاج المحلي يغطي (70%) من استهلاك البلاد من البنزين، ونحو (53%) من الجازولين، ويتم تغطية العجز بالاستيراد بدعم من الحكومة، ويجئ رفع الدعم استجابة لتوصيات المؤتمر الاقتصادي القومي الأول، الذي نظمته الحكومة الانتقالية في نهاية سبتمبر الماضي، حيث أعلنت أنها تعتزم رفع الدعم كلياً عن الوقود، على أن يتم تخصيص الدعم للمواصلات العامة، والنقل الحكومي، والمصانع والزراعة.
التلاعب بالمستهلكين
وفي وقت سابق حذرت الجمعية السودانية لحماية المستهلك الحكومة من رفع الدعم، في ظل هذه الفوضى. وقال الأمين العام لجمعية حماية المستهلك د.ياسر ميرغني في حديث لـ (الحراك): “نرفض رفع الدعم عن الجاز ولكن يمكن ترشيده وضبطه عبر بطاقات واضحة تخصص للمواصلات العامة فقط، وأضاف: “نحن لسنا ممن يسكتون، ورفع الدعم عن الوقود مرفوض، ولن نقبل أن يتم التلاعب بالمستهلكين”، وتابع: “قبل رفع الدعم لابد من تأمين شامل لحياة المستهلكين”.
توفر السيولة
ووصف المحلل السياسي د.أزهري بشير رفع الدعم عن المحروقات بالاستهلاكي، ومبرراته بالواهية، ويرى أنه من المفترض أن يتم الرفع بعد تحقيق الإنتاج من خلال تمويل القطاعات المنتجة، وربط الإشكالية الأساسية في الوقود بالمضاربة في الدولار، وقال: “إذا توفرت السيولة عبر الإنتاج والتوجه نحو الزراعة سيكون هنالك وفرة وانتعاش اقتصادي ينعكس على استيراد السلع الأساسية بما فيها الوقود، والبنك الدولي ضاغط على الحكومة لرفع الدعم، ووضعه شرطاً للاقتراض، وهي في نظري سياسة خاطئة”.
إصلاح الموازنة
ووصف الخبير الاقتصادي د.عز الدين إبراهيم الحجج التي ساقتها الحكومة لإزالة الدعم بالمعقولة، وقال إنها أقدمت على ما كانت خائفة منه كل الحكومات السابقة؛ لذلك كانت الحكومات تخشى رفعه للعواقب السياسية، ولرفع تكلفة النقل والإنتاج. وأكد أن الهدف من إزالة الدعم إصلاح الموازنة، وتقليل الاستدانة من البنك المركزي، وبالتالي خفض التضخم، بيد أن المفارقة تكمن في أن رفع الدعم يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ويرى أن ما هو معقول اقتصادياً قد لا يكون مقبولاً سياسياً، رغم أثره الإيجابي على الميزانية، وميزان المدفوعات الخارجية، وإيقاف التهريب، وتقليل استهلاك الوقود، ولكن في المقابل توقع ارتفاع الأسعار، وبالتالي القرار من ناحية اقتصادية صحيح، ولكن لابد من حساب مدى تقبل الناس له، وفي مثل هذه الظروف كان لابد من تأخير رفع الدعم؛ لجهة أن التوقيت غير مناسب في ظل هذه الأوضاع.