في ديسمبر الماضي كان الثوار أكثر حذراً في احتفالاتهم بمرور عامين على الثورة ، فبالرغم من انهم قصدوا ان تكون جذوة الثورة متقدة الا أنهم كانوا يشعرون انه وبالرغم من انهم قدموا نموذجاً لثورة كانت كاملة الدسم الا ان إنجاز الحكومة لم يبلغ مبلغاً للرضا حتى يكون الثوار في غنى عن تسيير المواكب للمطالبة بالتصحيح ، او الأخرى التي طالبت بالإسقاط ، لاسيما ان الحكومة لم تحقق من أهداف الثورة إلا القليل. ومرت ستة أشهر من مواكب ديسمبر حتى جاءت مواكب ٣ يونيو الذكرى التي مازالت جراحها تنزف ، فخرجوا في مواكب العدالة ، بذات المطالب أولها واهمها القصاص لشهداء الثورة ، عادلت هذه المطالب أخرى تمثلت في ضرورة ايجاد الحلول الناجعة للأزمات الاقتصادية بالغة التعقيد ، أولها الأسعار الجنونية التي تصعد بطريقة غريبة تكشف القصور الكبير عند الحكومة وعجزها عن مراقبة الأسواق ، هذا بجانب كثير من الهموم الأخرى التي يواجهها المواطن لوحده ، دون ان تمد له الحكومة يدها حتى تخرجه من غيابة الجُب ، ليصبح الانفلات الاقتصادي ، أكبر مهدد للمواطن ، بجانب الفراغ الأمني العريض. ولكن الذي يجب ان يكون واحداً من الاستفهامات العاجلة ، ماهي خطة الحكومة الآن لتنفيذ مطالب مواكب ٣ يونيو ، التي هي امتداد لمطالب الثورة وكيف قيمت تحركات الشارع وانقسامه هذه المرة مابين المطالبة بالإصحاح والمطالبة بالإسقاط ولماذا لم تقدم الحكومة شرحاً وافياً لموقفها بعد سماع كل هذه المطالب ، ماهو اهم قرار اتخذته الحكومة بعد خروج المواكب إستجابة للشارع أم ان هذه المواكب ستصبح مجرد حراك روتيني لا يُنتظر منه نتائج ، وأضحت الحكومة ردة فعلها باردة ، ولكن هل تعي الحكومة خطورة زيادة عدد معارضيها ، أم انها لم تجيد قراءة انقسام الشارع ومدى انعكاسه على متاريس الثقة التي منحت لها مقدماً، فإن حدث هذا فعلا سيكشف الواقع قريباً عن مستقبل يرسم تخوماً ليست للقرب ولكن للتباعد الكبير بين شوارع الثورة ومكاتب الحكومة، وهذا بدوره سيخلق مسافات من الجفاء يصعب طيها بين يوم وعشية ، وقد تجعل الشارع بأكمله وليس نصفه ينقلب عليها ، فعدم تنفيذ مطالب الشارع شئ، ولكن تهميش الحكومة لسماع صوت الشارع او ان تعمل ( إنها ماسامعة) شي آخر. لذلك يجب ان تحذر الحكومة من وقوع ( طلاق عاطفي ) بينها وبين صناع الثورة ، لأنها إن قصدت ان تتبنى هذه المشاعر ، فإنها ستفقد ماتبقى لها من رصيد. فرئيس الوزراء وصلت الى بريده عدة رسائل كانت تستحق ان تعكف الحكومة بأمره من أجل قضايا كثيرة أهمها وضع حلول عاجلة وناجعة، لتكون للحكومة حصناً او درعاً ، او حتى تشفع لها وتبرر لها تشبثها بأحلامها التي تصور لها سهولة العبور والانتصار ، فمن حقك أن تحلم بما تريد ، ولكن ماذا تفيد الاحلام دون العمل والجهد من أجل تحقيقها. فالخوف كل الخوف ان تكون الحكومة وصلت الى حدود التعايش مع المرض ، وعدم المبالاة للمطالبة بالعلاج ، فإن كان حقاً وصل بها الحال الى هنا ، فحتماً لن تزعجها زيارة ( ملك الموت ) ان كانت اليوم او غداً !! طيف أخير ببطء، وبثبات وبنفس الطريقة التي يحوّل بها الخريف شكل الغابة، حولت آلاف التغييرات الصغيرة أوطان .. الى أخرى ، ولكن إن كنا على الطريق الصحيح فعلاً هل نملك من الزاد والصبر ولو القليل ؟!
صحيفة الجريدة