حيدر المكاشفي يكتب .. الدعم السريع.. بيضة أم كتيتي
انتشار كثيف وتداول واسع مقروناً بالقراءات والتعليقات والتحليلات أعقب حديث حميدتي الأخير في مناسبة تأبين حركة مناوي لأحد فقدائها الجمعة الماضية، وكان حميدتي قائد قوات الدعم السريع المعروفة اختصاراً ب(قدس) والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة، بدا غاضباً ومنفعلاً أثناء ادلائه بذلك الحديث الذي توزع ما بين اللوم والعتاب والاستعطاف والتلويح والتهديد، غير أن القاسم المشترك الأعظم الذي يمكن استخلاصه من شتات ذاك الحديث، أن ثمة خلاف وتباين حقيقي قد طرأ على علاقته بالقيادات العسكرية في الجيش وفي مجلس السيادة رغم محاولات النفي المتبادلة من الطرفين لهذا الخلاف، ولا اعتقد اننا بحاجة لتدوير حديث حميدتي المشار اليه بعد أن صار معلوما للكافة، بقدر ما اننا بحاجة لتحرير ذلك الخلاف وتجلية اسبابه وتحديد دواعيه، وهذا ما سنحاوله هنا بطرح واحد من أعقد القضايا التي نستطيع أن نؤكد بوثوقية أنها أحد بل أهم أسباب هذا الخلاف، وبالطبع لا نعني غير عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش.. المفارقة في هذه القضية هي ان قيادات الجيش لا ترغب في ادماج الدعم السريع في قواتها، ولا الدعم السريع راغب في هذا الاندماج، علما بأن هذا الوضع البرذخي يتقاطع تماما مع ما نصت عليه الوثيقة الدستورية وتضمنته مقررات سلام جوبا، بتفكيك كل الجيوش والمليشيات وادماجها فى القوات المسلحة لتكوين جيش سوداني واحد وبعقيدة موحدة، والمؤكد ايضا ان حركة الحلو لو جنحت للسلم سيكون هذا مطلبها، فمن حجج حميدتي قائد الدعم السريع الرافضة للاندماج المنقولة عنه، أن الدعم السريع ليست سرية أو فصيل أو لواء حتى يتم دمجه، إنها قوات ضخمة عدة واعداد وعتاد، فكيف ندمجها في القوات المسلحة، وغير هذا الوضع المميز عسكريا الذي صارت اليه قوات الدعم السريع، فانها كذلك تضخمت وتمددت اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بل واقليميا يسندها بعض الحلفاء الاقليميين، وهذه الاوضاع المميزة لهذه القوات بامتيازاتها الكبيرة جعلت منها امبراطورية يصعب عليهم التخلي عنها، وقد عبر حميدتي عن ذلك غير ما مرة، فكان يقول عندما يحاول أن يبدي زهده في السلطة والمناصب، كان يقول ما معناه (انا ما داير أي شئ بس خلوا لي دعمي دا)..الحقيقة الماثلة اليوم والتي لا يمكن الهروب منها، هي أن قوات الدعم السريع صارت مثل بيضة أم كتيتي كما في الاسطورة الدارفورية التي تقول فيمن يعثر على هذه البيضة، (أكان شلتها كتلت أبوك وأكان خليتها كتلت أمك)، وهذا بالضبط هو حالنا مع هذه القوات (أكان شلناها كتلت أمنا وأكان خليناها كتلت أبونا)، فلا (الشيل) يعالج وضعها ولا ان تركناها على حالها، ولهذا تبقى المعالجة الصحيحة والعقلانية لوضعيتها ان يتم ادماجها في القوات المسلحة، شريطة ان يتم هذا الادماج ضمن حزمة واحدة ومتكاملة تبدأ باصلاح وهيكلة القوات النظامية ثم الاسراع في تنفيذ برتكول الترتيبات الأمنية المنصوص عليه في اتفاقية جوبا للسلام..
صحيفة الجريدة