أجد نفسي أكثر إيماناً بالحكمة التي تقول بأن التاريخ يعيد نفسه، ولعل مصدر إيماني بهذه الحكمة ربما لكونها أكثر تطابقاً مع آيةٍ في كتاب الله يتحقق وعْدها في كل عهد من العهود وفي كل أمةٍ من الأمم، وتلك الآية هي قول الحقِّ عزّ وجلَّ “ولن تجد لسنةِ الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً”، فما من أمةٍ هلكت إلا بالاختلاف والفساد والترف، وأعني فساد الحكام وترفهم وتنازعهم في السلطان والمناصب وطلب النُصرة والحماية من « العدو الظاهر»، إي والله طلب العدو أن يحمي سلطانهم من إخوانهم وبني جلدتهم وملتهم… وكل ذلك يحدُث في تسلسل عجيب وإعادة غريبة لأحداث التاريخ لدرجة التطابق والتماثل ،وما أشبه ليلتنا بالبارحة، وما فعله اُمراء الحصون والإمارات العربية ، مع «هولاكو» بالأمس يفعله الكثيرون اليوم مع أمريكا، ويتكرر سيناريو الأحداث، والسودان ليس استثناءً من هذه الخيبة والخيانة والعمالة… عقب اجتياح جيوش المغول عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد وقتل آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله وابنه وأخيه بعد دفنهم أحياء، وبعد أن عرف السلاطين والولاة والأمراء العرب بأس القائد المغولي « هولاكو بن جنكيز خان» وجبروته وبطشه وعجرفته ودهاءه وغدره، تسابقت وفودهم سراً وجهراً لمباركة الاحتلال المغولي للبلاد الإسلامية وعقْد التحالفات لبقائهم أمراء وسلاطين في بلادهم تحت إمرة «هولاكو»، فانبروا في سباقٍ ماراثوني لتقديم الهدايا الثمينة له وتقديم فرائض الولاء والطاعة حفاظاً على كراسيِّهم وملكهم وطلباً للحماية بينما استعصى عليهم الاتفاق على مقاومة الغازي الوحشي الذي دمر الحضارة الإسلامية شر تدمير وألقى بدررها الثمينة في نهر الفرات، وليس هذا فحسب بل إن التاريخ حدثنا عن بعض الأمراء الذين ذهبوا للمحتل الغازي البربري «هولاكو» الذي قتل في بغداد وحدها «800» ألف شخص يحرضونه على فتح مصر.. قد يتكرر ويتعدد القادة والأمراء العباسيون في كل زمان، وتتجدد نسخة «هولاكو» في كل أوان والنتيجة واحدة…فحقاً أن التاريخ يعيد نفسه، وتتطابق أحداثه لتأتي سنة الله الكونية ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً .. أعداء الأمم ليسوا هم الأعداء الظاهرين ، وإنما الأعداء الحقيقيون هم الحكام الظلمة الفاسدون فبالطغاة والمترفين بهم يتحقق الوعد بالهلكة والتدمير على يد الأعداء، وبهم تكتمل أسباب انهيار الأمم واقتصادها وعزتها وأمجادها …( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) ، وهم أيضاً المختلفون المتصارعون المتنازعون على العروش والمناصب والمواقع، فهؤلاء في كل زمان ومكان هم أعداء أمتهم وهم مدخل الشر والتمزيق والضياع والفشل …اللهم هذا قسمي فيما أملك.. نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين
صحيفة الانتباهة