الكثير من الناس لا يعرفون أسباب هروب المليشيا المتمردة “حمرة عين” من نيران مدفعية الجيش الحارقة في العاصمة الخرطوم إلى مناطق نائية ليست ذات أهمية استراتيجية، مثل ود النورة وحجر العسل والدندر و”سنجة” التي لا يوجد بها معسكرٌ واحدٌ للمستنفرين، مع ذلك تعد الحاضنة السياسية للمليشيا هذه انتصاراً، وهم لا يعرفون أن الانتصار الحقيقي الذي حقّقه الجيش هو إجبار مليشياتها على الهروب من الخرطوم، تاركةً خلفها القيادة العامة بكامل سطوتها وسلاحي المدرعات والمهندسين، الصخرة الصماء التي تكسّرت عندهما القوة الصلبة للعدو، وقاعدة وادي سيدنا القلعة الحصينة بقيادة مُرعب الجنجويد، عضو مجلس السيادة، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ياسر عبد الرحمن العطا، الذي حوّل أم درمـان إلى جحيمٍ لا يُطاق على المليشيا، وجعلها تهرب منها والشمس في نصف السماء، َفي وقتٍ تبحث فيه المليشيا عن انتصارات زائفة في مناطق ود النورة وحجر العسل والدندر، مما يؤكد حقيقة فرضية الانهيار المُتسارع في صفوفها وتحولها إلى مجرد مهدد أمني فقط، وإعادتها إلى وظيفتها الأساسية، وهي سرقة وشفشفة ممتلكات المواطنين وتشريدهم وقتلهم واغتصاب الحرائر، وسقوط شعار تحقيق الديمقراطية ومحاربة الجبهة الإسلامية..!
وفي هذه المساحة، سأحدِّثكم عن أسباب اقتحام المليشيا للمناطق التي لا تُوجد بها مواقع عسكرية، حتى يتأكّـد للمواطنين أن المليشيا قد تلاشت بالفعل، وأصبحت من الماضي، وأبرز تلك الأسباب عدم وجود قيادة موحدة للمليشيا للتحكم في سير تحركاتها، بسبب الخلافات العميقة التي ضربت صفوفها، وفقدان قوتها نتيجة للضربات المُوجعة التي تتلقّاها من الجيش، فضلاً عن ضعف الإمداد والعتاد الحربي، الذي كان يأتي للمليشيا عن طريق دويلة تشاد، مما جعلها تشد الرحال إلى الجنوب لإيجاد طُرقٍ بديلة للإمداد، فما كان أمامها غير مهاجمة سنجة، لفتح طريق للإمداد مع جوبا، بسبب الحصار المُحكم الذي يفرضه الجيش على المليشيا من جميع النواحي، لا سيّما من الناحية الغربية، بالتالي أصبحت المليشيا المتمردة تلجأ لشراء أصحاب النفوس الضعيفة والسوابق وقطّاعي الطرق من كبار الحرامية و”٩ طويلة”، وعديمي الأخلاق والضمير، الذين لا تتوفر عندهم مثقال ذرة من الوطنية، وهي السياسة التي انتهجتها المليشيا مؤخراً بعد الهزائم الساحقة التي مُنيت بها في الخرطوم والفاشر والأبيض وبابنوسة، لتخويف وإرعاب الناس بأنها مازالت قادرة على الهجوم، وما يعضد ما ذكرته أعلاه فشل عصابات المليشيا المتمردة في دخول المدن المتماسكة التي ترتفع فيها صوت المقاومة الشعبية بصورة شرسة، بشكل أدخل الرُّعب والخوف والهلع في قلوبها، مثل مدينة شندي بولاية نهر النيل أو حتى شم رائحة أجوائها الخريفية العليلة هذه الأيام، لأرض المك نمر، لفشلها في زرع خلايا نائمة، نتيجة لعدم وجود عملاء أو خَوَنَة أو بائعي عرضهم بثمنٍ بخسٍ للمليشيا بين مواطنيها، حتى الذين جاءوا إلى شندي نازحين أصبحوا يخافون على أمنها أكثر من مواطنيها الأصليين، فضلاً عن التكاتف والتعاضد بين أهلها وتصويب جُل تركيزهم على التجهيز والعدة لإنزال الهزيمة الساحقة بالعدو إذا حاول القرب من شندي، بعد أن استشعر أهلها أنّ هذه الحرب مُهدِّدٌ حقيقيٌّ لبقائهم، والمستهدفون الأوائل بها، بدليل أنّ العدو الغاشم ظَلّ منذ بداية تمرُّده يقسم صباحاً ومساءً، ويتوعد شندي وأهلها بالويل الشديد، ولكن نقول لها إنّ تلك الوعود سبقكم بها زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق، عندما قال سأتناول فنجان قهوة في متمة “ود سعد” مع بنات المك نمر وحفيدات السورابية مهيرة بنت عبود، لكن مراده لم يتم، فالآن يتحدث قطّاعو الطرق والشفاشفة من مليشيا محمد حمدان دقلو بدخول شندي، ذلك الأرض الطاهرة المباركة، وأيضاً نقول لهم إذا استطعتم دخول شندي وتمّت إبادتكم لن ندفكم فيها وسنتركم تأكلكم الكلاب الضالة، لأنّ تراب نهر النيل أكرم وأطهر عندنا من أن تلوِّثه أجسادكم النجسة التي اغتصبت الحرائر من القاصرات وأكلت مال الشعب، بالتالي ضميرنا لا يسمح لنا أن نخون أمثال صاحب العبارة من “ياتو ناحية” الشهيد محمد صديق بدفن أمثالكم في أرضنا، التي تمثل عندنا مكة المكرمة مقر نزول “الوحي”.