تواجه وزارة المالية الاتحادية فى بلادى تحديا فريدا فى ميزانيتها لهذا العام لا يقل عما تعانيه كل الأمة .. مما حدا بالسيد وزير المالية ان يسمى ميزانية العام 2024 بميزانية حرب .. و حربا أو سلما .. يكون الذهب هو ما عليه التكلان بعد توفيق الحنان المنان و الكلمات الحائرة التى وصف بها الوزير مشهد الذهب ستكون هى مفتاح الحل فى سودان ما بعد الحرب
حيث استنكر السيد وزير المالية وضع الذهب قائلا ((الوضع معكوس .. 80% من انتاج الذهب من التعدين التقليدى)).
ثمة جراحات لابد منها و بالرغم من انها مؤلمة .. لكن أما و قد ذاقت بلادنا ما يكفيها من الالم لقرن قادم .. فما عداه أسهل .. فاقول كلمات لعلها ان تكون هادية فى الامر.
التعدين العشوائي
بالرغم من ان انتاج التعدين التقليدى من الذهب متفق على انه يبلغ حوالى 70 الى 80% من جملة الانتاج .. الا ان جملة الواردات المباشرة من التعدين التقليدى (العشوائي) فى أحسن احواله تبلغ حوالى 10% من جملة عائدات التعدين حسب التقارير الرسمية للدولة
و تبلغ مساهمة ولاية نهر النيل وحدها من تلك العائدات حوالى 66% .. فى حين تبلغ عائدات نهر النيل و الشمالية و البحر الاحمر مجتمعة حوالى 88% من إيرادات التعدين التقليدى المذكورة لكل ولايات السودان.
بقراءة واضحة مثل هذه .. فإن ثمة ملاحظات و افادات لابد منها كما يلى:
اولا .. من ال 20% من الانتاج الاجمالى و هى انتاج الشركات يعود على الدولة 90% من اجمالى عائدات التعدين فى السودان و التى تقارب نسبة 50% من ارباح الشركات تقريبا.
ثانيا .. من ال 80% من الانتاج الاجمالى المنتجة عبر التعدين العشوائى لا يتم تحصيل إلا 10% .. علما بان تكلفة انتاج الشركات تكاد تكون ضعف تكلفة الانتاج العشوائي .. و تواجه شروطا و ضوابطا قاسية يكون التعدين العشوائي فى حل منها غالبا .. و رغم ذلك تواجه الدولة عاصفة من الانتقادات و التمنع عند محاولات ضبط ال 10% المفروضة على التعدين التقليدى تلك.
ثالثا .. التعدين التقليدى المتعارف عليه على مستوى العالم يكون جزءا من التعدين الصغير و تحت ضوابط الدولة الفنية و القانونية .. و الترجمة الصحيحة للكلمة الانجليزية المقابلة ل
artisanal mining
هى التعدين الحرفى و ليس التقليدى .. اما ما يتم ممارسته حاليا فهو تعدين عشوائي قولا واحدا.
رابعا .. عائدات التعدين التقليدى لا تذهب فى إغناء المعدنين التقليديين وفق ما هو متصور .. بل جذب ذلك القطاع العشوائي رؤوس اموال محلية و اجنبية ضخمة تمارس التعدين بعيدا عن اعين الرقابة القانونية و يتحرك معظم ذلك الانتاج بيعا و شراء فى غالبه خارج الدورة الاقتصادية للبلاد .. بصورة قانونية نعم .. لكنها عشوائية على كل حال.
خامسا .. وفق تعهدات دولية خاصة بالحد من استخدام الزئبق المستعمل فى التعدين العشوائي .. كانت الدولة قد وضعت خططا لانهاء تلك الممارسة بصورة كبيرة و تدريجية خلال عامين .. لكن التغييرات الكبيرة و السريعة و المتكررة على مستوى الجهاز التنفيذى للدولة ابطأ تنفيذ تلك الخطط.
اعتمادا على عاليه .. ان اعتماد قرارا متدرجا بإيقاف التعدين التقليدى من ولايات نهر النيل و الشمالية و البحر الاحمر كفيل باعادة سيطرة الدولة على القطاع بايقاف ما نسبته 80% تقريبا من التعدين العشوائي .. و كفيل مثل هكذا قرار بمضاعفة الإنتاج اربعة أضعاف من الشركات بقليل من الترتيبات الادارية و الفنية و القانونية .. و رغم علم الكاتب اليقينى ان ولايات أخرى انتاجها كبير من التعدين التقليدى .. الا انها ستكون هى المرحلة الثانية من عمليات التنظيم.
🚨صادر الذهب
متوسط صادر الذهب للاعوام العشرة الماضية يبلغ حوالى 30 طنا من الذهب سنويا وفق البيانات الرسمية المنشورة .. لكن الكاتب يعلم يقينا ان تحليلا دقيقا لتلك الكميات لم يحدث للاهتداء بنتائجه و الوصول إلى خلاصات مفيدة.
فمثلا .. متوسط انتاج شركات الامتياز خلال العام حوالى 9 أطنان من الذهب .. و مسموح لهذه الشركات بتصدير 70% من إنتاجها بدون حصيلة صادر لدواعي عملية منطقية و مقبولة .. اى .. حوالى 6.5 طن.
كذلك .. شركات معالجة المخلفات مسموح لها بتصدير حوالى 15% من انتاجها لذات الدواعى .. فاذا علمنا ان متوسط انتاجها يبلغ تقريبا 9 أطنان فى العام .. فتلك 1.5 طنا إضافية .. فيكتمل المجموع 8 اطنان يتم تصديرها لصالح الشركات .. و المتبقى 22 طنا تقريبا.
هذه الاطنان المتبقية تنطبق عليها المواصفات الآتية:
اولا .. اربعة اطنان تقريبا او اقل تعادل نصيب الحكومة من انتاج الشركات المستلم عينا .. تصدر الدولة جزءا منه و تبيع الجزء الآخر محليا .. و هذه خالصة طيبة.
ثانيا .. المتبقى متقاسم بين ما تشتريه الحكومة عبر بنك السودان بحر مالها من سوق الله اكبر الذى يسيطر عليه التعدين التقليدى .. او هو صادر شركات تجارية تعمل فى صادر الذهب و الذى ايضا هى تشتريه بحر مالها من سوق التعدين التقليدى .. فالقاسم المشترك فيه انه غير مملوك للدولة و ليس لها فيه من جرام واحد كربح.
ثالثا .. بالرغم من أن حصيلة الصادر المقدرة بحوالى واحد مليار دولار يسيطر بنك السودان المركزى بدرجة كبيرة على حركتها داخل الدورة الاقتصادية .. الا ان الدولة و رغم مرور هذا الذهب على كل القنوات الرسمية فانها لا تستطيع ان تستقطع منه حقوق الدولة غير المدفوعة كليا تقريبا مقارنة بذهب الشركات و الذى تتحصل منه الدولة ما يقرب من 50% من القيمة الاجمالية له وفق النسب المختلفة بالقانون .. و ذلك الامر فيه تعقيدات كثيرة خاصة بتنظيم قطاع التعدين العشوائي لا يسع المقال لسردها .. لكن خلاصتها ان ما يتم تصديره من ذهب وفق الوصف المذكور للمتبقى يكون فيه هدر لحقوق الدولة بالنصف تقريبا .. و قد آن الاوان لتصحيحه بسياسة صحيحة و قوية مع انتهاج المعالجات لأية اضرار قد تقع.
🚨شركات الامتياز المنتجة
شركتين من الشركات العشر المنتجة للذهب من الامتياز تنتجان حوالى 60% من انتاج شركات الامتياز .. و تقدمت شركة ثالثة بدراسة جدوى لانتاج 7 اطنان فى العام لمدة 14 عاما فى المرحلة الأولى .. فاذا تم دعم شركة ارياب للتعدين للتوسع فى الاستكشاف و الانتاج و إدخال شركات مصنفة عالميا و التى توجد فى معظم الدول الافرقية حولنا المنتجة للذهب .. و اذا تم إصلاح و دمج شركات معالجة المخلفات فى شركات كبرى .. فإن انتاج الشركات من الذهب يمكن أن يتضاعف و يصل حتى 40 طنا من الذهب فى غضون اربعة سنوات
🚨الشركات الحكومية المنتجة
شركة ارياب شركة حكومية كاملة الدسم بعد ان إشترت الدولة النسب الأجنبية فى العام 2014 ..
و تمتلك أرياب اكبر مساحات للاستكشاف فى السودان على الاطلاق تعادل المساحة التى تمنح لعدد 150 شركة استكشاف وفق القانون و ذلك أمر جيد .. و لكن رغم ذلك تعمل الشركة فى مساحات قليلة نسبيا حتى الان لضيق ذات اليد.
شركة ارياب انتجت فى تاريخها حوالى 90 طنا من الذهب على مدار حوالى 30 عاما بمعدل عام قدره 3 اطنان فى المتوسط .. و قد وصلت فى ذروتها حتى 7 اطنان فى العام تقريبا.
تمتلك شركة ارياب دراسة جدوى معتمدة بنكيا لمشروع
Volcanogenic Massive Sulphides (VMS)
و الذى تقدر عائداته ب 16 مليار دولار خالصة للدولة و يحتاج تمويلا فى مرحلته الاولى فى حدود 278 مليون دولار تستطيع الشركة السودانية للموارد المعدنية لوحدها ان تمول ذلك المشروع بدون مساعدة من اية جهة أخرى.
هذه شركة حكومية جادة واحدة .. فما بالك ان كن ثلاث شركات .. و لا يحتاج تمويلها إلى مليم واحد كما ذكرت من مؤسسات الدولة .. بل يضمن فى الخطة السنوية لتطوير قطاع التعدين بتمويل ذاتى من القطاع ..
ان قرارا حكوميا بانشاء و تمويل أرياب 2 و ارياب 3 بالإضافة لدعم ارياب 1 كفيل بان يجعل الدولة اكبر منتج للذهب فى السودان بعائدات خالصة لخزينتها.
🚨المعامل المركزية
تمتلك الدولة دراسة جدوى فنية مكتملة الأركان من الخرط و المواصفات و التكاليف لإنشاء المعامل المركزية المتكاملة للتعدين ..
ليس فى السودان حاليا معملا تعتمد نتائجه فى القطاع المحترف .. معظم الدول الصغيرة من حولنا تتوفر فيها مثل تلك المعامل المعتمدة ..
بتمويل ذاتي من قطاع المعادن ضمن خطة تطوير التعدين تستطيع الدولة ان تمزق فاتورة تصل قريبا من 18 مليون دولار سنويا فى صادر العينات .. غير الشهور التى يلعب فيها راس المال المستثمر (سيجة) فى انتظار نتائج التحليل من الخارج فى دورة طويلة لا معنى لها.
🚨المعادن الاخرى
اما المعادن الاخرى فيجدر ان تكون كتابا منفصلا حتى يكون البيان واضحا و فيها قصصا تحكي.
الثقة كبيرة فى قيادة وزارة المعادن فى البلاد رئاسة و شركات .. و هموم الوطن عادة لا تكون حكرا على المسؤول او الموظف .. بل هى مسؤولية مشاعة بفرض الكفاية .. و فى ظرف بلادنا الحالى .. فهى فرض عين بلا جدال .. و خطط ما بعد الحرب واجب ان تكون بحجم التضحيات التى بذلت .. و بقدر الأمل المرتجى.