خطاب حميدتي.. الذكاء الاصطناعي لم يحل محل الجنرال
خطاب شعبوي عاد به الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” إلى الساحة محطمًا التنبؤات بشأن مقتله في المعارك العسكرية في العاصمة الخرطوم في بداية الاقتتال بين الجيش والدعم السريع. وهي معلومات تجنبت القوات المسلحة التعليق عليها نفيًا أو تأكيدًا.
ونشر قائد الدعم السريع مساء الاثنين تسجيلًا صوتيًا هو الأول من نوعه منذ شهر، أكد خلاله تقدم قواته على الأرض.
فيما بدأ الرجل الذي تحدث بلهجة دارجة سودانية غاضبًا من تصريحات قائد الجيش حول بقاء قوات صغيرة لا تتعدى (5%) من تشكيلات الدعم السريع سيما في العاصمة.
رد على تصريحات البرهان
و وصف دقلو تصريحات البرهان بـ”الكاذبة”، وذهب إلى أبعد من ذلك مطالبًا قوات الجيش بمغادرة ساحات القتال وعدم القلق على الحقوق المالية التقاعدية، وهي رسالة ربما قصد بها إحداث انشقاق في القوات المسلحة. وعادة تصدر مثل الدعوات في حالة مواجهة طرف عسكري قد تجد صعوبة في القضاء عليه
يُعرف حميدتي نفسه على أنه “رجل بدوي” وفق ما ذكر عدة مرات من قبل، وفي التسجيل الصوتي مساء الاثنين استخدم عبارات رائجة بين شباب الحضر مثل عبارة “تشرشح” وتعني التسكع والتنزه، معلقًا على ظهور البرهان على كورنيش ساحل البحر الأحمر في بورتسودان شرق البلاد نهاية الأسبوع الماضي، وذلك عقب وصوله إلى هناك منذ أسبوعين مغادرًا القيادة العامة بمروحية وفق التسريبات.
قال حميدتي أيضًا “الهواء ضربك”، وهنا إشارة إلى أن البرهان لم يلتزم بتعهداته السابقة التي ربما بذلها قبيل خروجه من القيادة العامة بالذهاب نحو الجهود السلمية، خاصة إذا نظرنا إلى أن الدعم السريع استراتيجيًا مع الاتفاق، لكن مع إنهاء الدولة القديمة كليًا حتى تقف على أرض صلبة كما يقول مؤيدو هذا التوجه.
في التسجيل الصوتي عاد حميدتي أكثر من ثلاث مرات إلى تصريح البرهان بشأن بقاء (5%) من قوات الدعم السريع في ساحات القتال بالعاصمة الخرطوم، وفي مثل هذه الأحوال فإن الإصرار على نفي الشيء ربما يأتي من مصدر خوف حول وجود جانب من الحقائق في هذه المعلومة، والتي جعلته مضطربًا ولذلك كرر النفي بانفعال بائن في نبرات صوته.
حرب أهلية؟
في ذات الوقت أعلن حميدتي أنه نصير لكل السودانيين “من حلفا إلى الكرمك ومن الجنينة إلى بورتسودان”، لكن في فقرة أخرى قال إن دولة 1956 لن تعود مجددًا.
وهذا خطاب شائع بين قادة الدعم السريع ومؤيديه، وقد يكون احتجاجًا على عدم توزيع عادل للسلطة والثروة في السودان، لكن إلى أي مدى سيكون الجنرال دقلو منصفًا مع جميع السودانيين ويتعامل على قدم المساواة على الأقل في طريقة نظرته إلى الأوضاع الراهنة؛ بمعنى آخر هل لهذا الحديث أثر على تحويل النزاع المسلح في السودان إلى حرب أهلية؟ للإجابة على هذا السؤال هناك
مخاوف جدية من الحرب الأهلية التي تغذيها الاستقطابات الإثنية، كما إن تصريحات حميدتي تظهر يأسًا من تأخر الحل السلمي أو رغبة من القوات المسلحة بحسم المعارك عسكريًا على الأرض، على الأقل على مستوى العاصمة.
وربما الذهاب إلى أبعد من ذلك بتكوين حكومة في ولاية البحر الأحمر. ولذلك، في الوقت الراهن، فإن استمرار الصراع المسلح يتفوق على مطالب الحلول السلمية، ما يعني أن تيار النزاع المسلح هو الذي يمسك بزمام الأمور.
بينما يطرح حميدتي بعض “الحوافز المعنوية” بشأن الصراع المسلح في السودان حسب التسجيل الصوتي، بدا أن البون أصبح شاسعًا بينه وبين البرهان. من خلال التسجيل الصوتي أظهر غضبه على وصفه بـ”الخائن” في إشارة إلى ما جاء في كلمة للبرهان بمدينة بورتسودان في قاعدة القوات البحرية.
كما أن حميدتي الذي يتعامل بعفوية بائنة في بعض الأحيان، تعهد بعدم المساس بالجيش، ويقصد عدم حل الجيش حسب تعبيراته الصوتية، وفي هذا الصدد يخاطب مخاوف جدية بين غالبية السودانيين من إنهاء أو تدمير الجيش والاعتماد على قوات الدعم السريع ذات التكوين العشائري.
تحدث حميدتي خلال التسجيل عن طلبه من البرهان قبيل اندلاع النزاع المسلح بأيام قليلة في مرزعة واقعة شرق العاصمة بإقامة توأمة بين الجيش والدعم السريع لخفض التوتر الذي صعد آنذاك، متعمدًا الإشارة إلى أنه لم يبدأ القتال ضد القوات المسلحة وأن قواته ضحية “مؤامرة دُبرت بليل”، و اضطرت للدفاع عن نفسها.
الذكاء الاصطناعي
بالنسبة للجنرال دقلو يعد التسجيل الصوتي رسالة في غاية الأهمية تقول “أنا حي أرزق”، مكذبًا المعلومات المتداولة بشأن مقتله، ورغم ذلك ما تزال هناك شكوك لدى البعض من تدخل الذكاء الاصطناعي في تركيب الصوت أو التلاعب به.
بيد أن هذه الافتراضات تضعف حيال اللغة الدراجية السودانية التي تحدث بها الرجل، وربما تعمد ذلك لإغلاق الباب أمام اعتقادات أن الذكاء الإصطناعي حل محل الجنرال
خبراء يحذرون من تطاول الصراع المسلح في السودان
على ما يبدو شابت نبرات الصدق في بعض الفقرات التي تحدث فيها عن الوضع الراهن، فمثلًا وجد نفسه مضطرًا للاعتذار إلى السودانيين عن الأوضاع الإنسانية والانتهاكات التي واجهتهم خلال النزاع المسلح لفترة خمسة أشهر
خاصة وأن شعبيته التي اكتسبها من خلال الظهور الإعلامي وبساطته انخفضت كثيرًا نتيجة الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع، مثل تهجير المواطنين من المنازل ونهب السيارات واحتلال المستشفيات وقتل المدنيين العزل واحتجاز آلاف المواطنين في أقبية مظلمة بالعاصمة.
وفي هذا المنحى على ما يبدو لم يكن أمام الجنرال للاستمرار في القتال ضد الجيش سوى اللجوء إلى عمليات تجنيد مفتوحة تعتمد على “الكم” مقابل التغاضي عن الانتهاكات التي ترتكبها بحق المدنيين، وقد يكون وجد نفسه في ورطة إزاء هذه الانتهاكات.
يُظهر التسجيل الصوتي تراجع قوات الدعم السريع عما كانت عليه في الخارطة العسكرية بالعاصمة الخرطوم في منتصف نيسان/أبريل الماضي
أظهر دقلو أيضًا انفعاله حول العنصرية.
وأعلن رفضها جملةً وتفصيلًا -بحسب التسجيل الصوتي- وهو مدخل بالنسبة للبعض، وحديث مهم للغاية قد يساعد على محاصرة النزاع المسلح في إطار عسكري دون الإنزلاق إلى اقتتال أهلي.
أما بالنسبة للوضع العسكري، يُظهر التسجيل الصوتي تراجع قوات الدعم السريع عما كانت عليه في الخارطة العسكرية بالعاصمة الخرطوم في منتصف نيسان/أبريل الماضي.
وتقدمًا للجيش في عدة نقاط، إلى جانب صعود تسليح الجيش أكثر عقب امتصاصه للصدمة الأولى عندما نشب القتال، ومع ذلك فإن الانتصار العسكري لن يكون سهلًا وفي متناول اليد لكلا الطرفين
نقلا عن التر سودان