ظاهرة الأحياء المنهوبة .. لصوصية بلا حدود في الخرطوم
إذا قدر لسكان العاصمة السودانية أولئك الذين فروا من القتال بين الجيش والدعم السريع مشاهدة “الأحياء المنهوبة بالكامل” فإن الصدمة ربما ترافقهم لسنوات.
“نزعوا حتى أبواب المحل التجاري” هكذا رددها نصرالدين الذي يقطن حي السجانة وسط الخرطوم، وهو مركز تجاري لمحلات مواد البناء وأجهزة الكهرباء، لم يتبق منه شيء سوى اسم هذا السوق الحيوي الذي تصل قيمته الاقتصادية قبل الحرب إلى ثلاثة مليارات دولار حسب تقديرات غير رسمية
نصرالدين الذي يتحرك بين مناطق السجانة و”الخرطوم 3″ مستخدمًا الشوارع الداخلية، قال لـ”الترا سودان” إن الشوارع والمنازل والمحلات التجارية التي كانت تضج بالنشاط “فارغة من الناس” سوى بضعة أشخاص، بعد ثلاثة أشهر من المعارك الطاحنة.
العابر في شارع رئيسي في حي جبرة جنوب الخرطوم الذي يبعد نحو (15) كيلومترًا من القصر الرئاسي، بإمكانه مشاهدة أبواب منازل مشرعة تمامًا وأرضيات تناثرت عليها بقايا المنهوبات في منطقة قد لا تكون تحت سيطرة طرف باستثناء أعمال النهب.
المشكلة الوحيدة التي تواجه “نهابي الأحياء” وسيلة نقل المنقولات ذات الأصول العالية ماديًا،
مثل جهاز تبريد حديث أو براد طعام أو مقاعد جلوس في ظل توقف حركة النقل وصعوبة الحركة في هذا الوضع الذي قد يكون مفتوحًا على كل الاحتمالات – يضيف منذر الذي يقيم جنوب الخرطوم متحدثًا عن ملامح الأحياء المنهوبة في حرب نيسان/أبريل.
وقال منذر (28 عامًًا) لـ”الترا سودان” إن أحياء نهبت بالكامل لم يتبق في منازلها ومتاجرها شيء سوى ذكريات سكانها وملاكها وأخشى أن أقول إن إعادة إعمارها قد تكون صعبة جدًا – يردف.
آثار حرائق المقذوفات وجدران مخترقة بالرصاص والرشاشات بلا هوادة في معارك عسكرية لا يمكن التكهن بمستقبل الحرب في هذا البلد الذي تحول فيه نحو (25) مليون شخص إلى حاجة ماسة للمساعدات.
إذا كانت مؤتمرات ما بعد الحرب لإعمار البنية التحتية في البلدان المتأثرة بالنزاعات المسلحة، فإن حرب العاصمة السودانية أفرزت إعمارًا من نوع آخر “تأهيل الأحياء والبيوت” التي قضت عليها أعمال النهب.
يؤكد عمار حسين الباحث في فض النزاعات في حديث لـ”الترا سودان” أن القتال في السودان أخذ طابعًا مغايرًا، ولم يعد ممكنًا وضع سقوفات حياله. هذه الأوضاع بدأت مؤشراتها حينما غادرت جميع البعثات الدبلوماسية دون أن “تترك أثرًا وراءها”
كانت تقديرات البعثات الدبلوماسية في العاصمة السودانية تتوقع أن الحرب ستطال كل شيء قياسًا بالوضع الأمني والآيديولوجيا والانقسام السياسي وسهولة تغذية العنف في السودان.
الناجون ممن تركوا منازلهم وسيعودون إليها كما تركوها في منتصف نيسان/أبريل الماضي عندما نشب القتال كما يقول نصرالدين، والذي تمكن من مشاهدة شوارع عديدة وسط الخرطوم وكأنها “مدينة عاشت حرب السنوات لا ثلاثة أشهر” – يضيف.
بإمكان عربة تقليدية “كارو” أن تكون قيمة جدًا في هذا الوضع حسب نصر الدين، وذلك لنقل المنقولات المنهوبة من المنازل، بينما يتحمل بعض الأشخاص حمل الأشياء لمسافات طويلة سيرًا على الأقدام.
وإزاء أعمال النهب وإفراغ المنازل من محتوياتها التي كلفت كلامها آلاف الدولارات في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، هل سيتمكن السكان من استئناف حياتهم إذا عادوا إلى بيوتهم هذه مهمة عسيرة جدًا بالطبع