لماذا تبدو الأزمة في السودان عصية على الحل؟.. تحليل

الخرطوم _الموجز السوداني

لماذا تبدو الأزمة في السودان عصية على الحل؟.. تحليل

ليس لدى النخب السياسية قابلية للتعلم من التجارب السابقة وتتناول التاريخ كمادة سردية للحكايات فقط وليس الاتعاظ

بدأت الأزمة السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية كصراع بين أطراف محلية، بل بين مؤسستين في جسم عسكري واحد، لكن اتجاهها نحو التعقيد سيدفعها باتجاه أن تكون من أكثر الأزمات الإقليمية تشابكاً، لا سيما بعد دخول الحرب شهرها الثاني، وازدياد حدة الأزمة الإنسانية.

لم تتغير وتيرة الصراع، لكن الخرطوم شهدت معارك وغارات جوية أثناء الهدنة القائمة الآن لمدة أسبوع كنتيجة لما أسفرت عنه مفاوضات جدة، واتجهت صوبها آمال المدنيين المحاصرين للخروج عبر مسارات آمنة، وتمكين المنظمات الإنسانية الدولية من إغاثة الموجودين وإدخال مساعدات إنسانية واستئناف الخدمات

وعمل المستشفيات وتأمين المخزونات من الحاجات الإنسانية بالعاصمة. وهذا يشير بشكل ما إلى أن الصراع ربما يستمر لوقت أطول، بعد انتهاء مدة الهدنة الحالية التي اخترقت منذ الساعات الأولى، على رغم التشديد على أهمية التزام جميع الأطراف عدم خرقها.

أدت الحرب إلى مفارقة تاريخية، بتحولها من أزمة صراع على الحكم إلى أزمة وجود الدولة نفسها بإحداث خلل في الأمن والنظام السياسي وانعدام العدالة لغياب التشريعات وتلاشي مفهوم العقد الاجتماعي.

وربما يكون هذا الاتفاق هو الفرصة الأخيرة التي ينبغي أن يتمسك بها السودانيون، نسبة لفشل الوساطات السابقة التي حاولت حل معضلة مسيرة الانتقال الديمقراطي وفض النزاعات بين شركاء الحكم في ظل الحكومة الانتقالية، مما أدى إلى الدخول في مسيرة الاقتتال الحالي.

موت المبادرات

بعد الإجراءات التي فرضها الفريق عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، طرحت كثير من المبادرات للتوفيق بين المكونين المدني والعسكري، ولمراجعة اتفاق جوبا للسلام ومعالجة الثقوب التي بقيت موضع خلاف منذ توقيعها في الثالث من أكتوبر 2020.

وباعتبار أن المبادرات هي أولى الخطوات لحل الأزمة، فإن الذي طرح منها طوال السنوات الماضية وأدت إلى الوضع الحالي شابها كثير من العيوب. أولى المبادرات طرحها فولكر بيرتس رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس)، في يناير (كانون الثاني) العام الماضي، لكنها جاءت بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك الذي اجتمعت حوله كثير من القوى السياسية، وقد تبع تلك الفترة فوضى سياسية واستقطاب حاد، ثم طرحت الأحزاب السياسية مبادرتها وفي مقدمها حزب الأمة القومي، لكن لانعدام الثقة الشعبية في الأحزاب السياسية، ماتت المبادرة في مهدها.

وهناك مبادرة الأكاديميين ومديري الجامعات السودانية، ومع أنها لقيت استحساناً مبدئياً، لكنها لم ترض كل التوجهات وأول من انتقدها القوى السياسية. أما المبادرات الأخرى من الإدارات الأهلية والطرق الصوفية، فهي من حيث الكم، وجدت أنصاراً كثراً لكن عند تمحيصها تم الاعتراض عليها، إذ وصفت بأنها لا تخلو من الغرض السياسي وخضع أعضاؤها للتصنيف بحسب انتماءاتهم السياسية أو شبهات الانتماء للنظام السابق.

طبيعة معقدة

الأزمة السودانية نتاج تفاعل عوامل داخلية وخارجية ساعد على اندلاعها وديمومتها، وهناك عاملان أساسيان ضمن عوامل أخرى. أولهما، طبيعة الأزمة المعقدة وصعوبة إيجاد حلول جذرية لها إلا بتنازل أحد الطرفين أو كليهما عن أهدافهما التي بسببها اندلعت الحرب. ثانيها، ضعف عامل الانتماء الوطني لدى شريحة كبيرة من السياسيين وأفراد قوات الدعم السريع، خصوصاً أنها قوات شبه عسكرية، شاب نشاطها اتهامات بارتباطها بقوات فاغنر الروسية، إضافة إلى كثير من أحداث التخريب المتعمدة، وحجم الدمار الذي أحدثته في البنية التحتية ومباني المؤسسات الرسمية، والمنشآت العامة واحتلال ونهب مساكن المواطنين. هذان العاملان من شأنهما الإبقاء على الأوضاع الحالية من دون حل وإنما رهينة للمكاسب الميدانية.

وإزاء هذه الحالة، فإن الحكومة السودانية تواجه اختباراً أخلاقياً أيضاً في مدى حرصها على وقف انتشار الحرب وتمددها إلى أبعد من حدود الخرطوم. وعلى رغم أنها طالبت قيادة الدعم السريع بإخراج قواتها من العاصمة، فإن التخطيط الذي يقفز إلى الأذهان مباشرة هو أن الطلب بغرض التمكن من القضاء عليها بسهولة بواسطة السلاح الجوي بعيداً من العاصمة المأهولة بالسكان. أما إذا أفلتت وانتقلت الحرب إلى دارفور، فسيكون مداها الزمني أبعد وربما تستمر لسنوات طويلة، لا سيما عند التحامها بحرب دارفور الحالية، ثم دخول إثنيات وحركات مسلحة أخرى وصب مزيد من الزيت على نار الحرب.

حافة الكارثة

بعد اندلاع الحرب مباشرة، قالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان لها إن “التوصل إلى التسوية المطلوبة في البلاد، هو شأن داخلي، ينبغي أن يترك للسودانيين، بعيداً من التدخلات الدولية”. وبعد الحرب تحركت المبادرة التي رعتها السعودية والولايات المتحدة، ونوقشت في أعمال قمة جامعة الدول العربية الأخيرة، في هذا الاتجاه. من جانب آخر، وفي ظل الخلافات بين شريكي الحكم المدنيين والعسكريين، والحرب بين شقي المكون العسكري، تجد الحكومة السودانية نفسها بحاجة إلى حشد القوة المعنوية في شكل وساطة من أجل السلام في السودان، وذلك من غير أن تغفل عن الإمكانات ومقومات القوة الأخرى، العسكرية والاقتصادية والمادية والبشرية.

إحدى الأدوات المؤثرة هي الموارد الاقتصادية التي يزخر بها السودان، لكن عجز القدرات والظروف السياسية هي التي فاقمت من عدم القدرة على مواجهة الأزمة الحالية. وبمرور الوقت ربما يزيد التلاحق السريع للأحداث من تنامي حدة آثار الأزمة السلبية، مما يتطلب التعامل معها وفق موجهات تتمثل في مناقشة وحل جذورها، وتحديد الإمكانات والقدرات الاقتصادية كأحد مراكز القوة في الدولة غير المستغلة.

كان المجتمع الدولي يتعامل مع الأزمة السودانية على أساس وطني إلى حد كبير على رغم مناداة بعض القوى السياسية بتدويلها. وطالب عدد منهم بإعادة السودان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (يدور حول ما تتخذه المنظمة الأممية من أعمال حال تهديد السلم والإخلال به ووقوع عدوان على المدنيين في إحدى الدول)، لكن السعودية والولايات المتحدة وجامعة الدول العربية عملوا بسرعة للوصول بالتفاوض إلى نقطة تحاول منع الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أصبحت على حافة الكارثة، لذلك ركزت المفاوضات والاتفاق الأخير على وقف إطلاق النار، وإذا التزم الطرفان به فستتبعها خطوات هي المضي في التفاوض حتى الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار، وإنعاش الاقتصاد السوداني، وكنس آثار الفوضى لإعادة الأعمار.

هذه الخطوات تضع في مقدمة الحلول ضرورة احترام جميع الأطراف الدولية والإقليمية لسيادة السودان وعدم التدخل في الأزمة بشكل يؤدي إلى تأجيج الصراع، وبدلاً عن ذلك تهيئة المناخ للحوار وصولاً إلى إحلال السلام.

أسباب الفشل

يمكن القول إن ثمة أسباباً عديدة كان لها دور في الفشل بإيجاد حلول للأزمة السودانية، السبب الأول، استمرار الخلافات بين القوى السياسية في حالة السلم كما في حالة الحرب، فقلما تتوحد الأحزاب السياسية والمكونات على كلمة واحدة حتى في أحلك الظروف، خصوصاً أن الصراع الحالي بطبيعة متشابكة.

والثاني، من تكرار الأزمة بشكلها هذا أو بما يشابهه، يتبين أنه ليس لدى النخب السياسية السودانية قابلية للتعلم من التجارب السياسية السابقة، ويتناول السياسيون التاريخ كمادة سردية للحكايات فقط وليس للاتعاظ، ومن دون النظر إلى حقيقة أنه سلسلة من الوقائع والأحداث المترابطة من شأنها الإسهام في صناعة الواقع السياسي وتشكيله، وخلق مقاربة لحل الأزمة الحالية.

والثالث، تفاقم الضغوط الاقتصادية، وهي مسؤولية يلقي بها كل من القوى السياسية على الآخر، لكن المسؤولية على الجميع لأن التسويات السياسية في ظل النظام السابق والحالي، أساسها الفساد والمحاصصات بغرض تقاسم السلطة والثروة.

أما السبب الرابع، فهو غياب التشريعات والدساتير بعد قيام ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وتغييب الوثيقة الدستورية بإجراءات المجلس العسكري، ما عطل القواعد التي تحدد عمل مؤسسات الدولة، كما شجع أفراد المجتمع على تجاوز الأطر القانونية وأحدث ذلك خللاً وفوضى أمنية كبيرة، وكما تأثرت السياسة تأثر كذلك الأمن والسلم الاجتماعي.

لدى الجيش السوداني القدرة الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لوقف الحرب، لكن لدى الدعم السريع الإمكانات الاقتصادية التي تمكنه من الاستمرار فيها، ولدى الطرفين نزعة متساوية

في الاعتماد على حل خارجي أكثر من اجتراح حل ينبع منهما ذلك لأن أي وقت إضافي سيباعد بينهما وبين المساءلة الدولية، ابتداءً من فظائع الحرب في دارفور مروراً بمسؤولية الفريق عبدالفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو حميدتي، وإصدارهما قرارات 25 أكتوبر 2021، والتي عدت بمثابة انقلاب على الوثيقة الدستورية التي وقعت مع المكون المدني في 17 أغسطس (آب) 2019.

قد يعجبك ايضا
الموجز السوداني
error: Content is protected !!