تعرَّضت روسيا خلال العام الماضي لواحدة من أقصى العقوبات الرياضية، عقب عمليتها العسكرية في أوكرانيا. فقد فُرض على روسيا أن تعيش حالة عزلة رياضية وكروية على الصعيدين القاري والمحلي، تمثلت في حرمان منتخبها من خوض تصفيات الملحق المؤهل لكأس العالم “قطر 2022″، وتعليق مشاركة جميع الأندية الروسية في البطولات القارية والدولية، فضلاً عن نقل إقامة نهائي النسخة الماضية لنهائي دوري أبطال أوروبا من أراضيها إلى الأراضي الفرنسية.
استخدم الغرب شتى صنوف العقوبات ضد روسيا، في انتهاك واضح لجميع المبادئ الأساسية للحركة الرياضية الدولية وتجاوز لمعايير المساواة الرياضية بين شعوب العالم، إلا أنه وبالرغم من كل ذلك واصلت روسيا بنشاط تطوير بنيتها التحتية الرياضية وعملت على إشراك عشرات الدول في مشاريعها الرياضية. وبغض النظر عن مدى رغبة الولايات المتحدة والدول الأوروبية في استبعاد موسكو من الحركة الرياضية الدولية، يواصل الروس إقامة مسابقات واسعة النطاق، وجذب مئات الرياضيين من رابطة الدول المستقلة ودول منظمة شنغهاي للتعاون ودول البريكس.
ويظهر تشدد بعض الدول الغربية في فرض العقوبات على الرياضة والرياضيين الروس، عن الوجه المظلم “للسياسة الرياضية” ويُبّين مدى زيف الادعاءات التي ينادي بها الغرب عن الحريات والمساواة، إذ يغفل الاتحادان الأوروبي والدولي عن اتخاذ أيّ إجراءات تجاه الكيان الصهيوني، الذي لا يكاد يمر يوم من دون اقترافه جرائم بحق الشعب الفلسطيني من دون تمييز. وبدلاً من ذلك، يشارك في البطولات ضمن الاتحاد الأوروبي، سواء في التمثيل الدولي أو على صعيد الأندية.
جاءت كل تلك العقوبات الغربية في حق الرياضة الروسية في إطار محاولات استبعاد روسيا من الفضاء الاجتماعي والثقافي العالمي، إلا أن مثل هذه الدولة الكبيرة ذات التقاليد الثقافية والرياضية العظيمة لا يمكن طردها من المنظمات الرياضية الدولية بين عشية وضحاها. على الرغم من حقيقة أنه خلال العقود الماضية اتهمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى في العالم الغربي الروس بانتظام بالفساد الرياضي وإساءة استخدام المنشطات الرياضية، إلا أن روسيا لم تظهر فقط قدرات ممتازة في التحضير للبطولات الرياضية الدولية الكبرى، ولكن كذلك القدرة على إشراك الرياضيين المؤهلين بروح الفريق والمدربين من الدرجة الأولى.
بعد موجة الانتقادات المتحيزة، التي تعرضت لها الرياضة الروسية، خسرت روسيا فرصة إرسال فرقها إلى الألعاب الأولمبية والبطولات الدولية، لكن مشاركة الروس في الرياضات الدولية ظلت كما هي، وعلى الأرجح، فإن محاولات “إلغاء” الرياضة الروسية جاءت بنتائج عكسية على حساب الرياضيين الأمريكيين والأوروبيين أكثر من الروس. مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن موسكو أعادت توجيهها بسرعة كبيرة في جميع اتجاهات تطورها نحو الهياكل الدولية الجديدة، مثل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO).
وفي الآونة الأخيرة أصبحت موسكو تستقبل وفودا عديدة من الرياضيين من كل من الصين والهند وقارة أفريقيا، وقارة أمريكا اللاتينية، فضلا عن الدول العربية، للمشاركة في البطولات الرياضية التي تنظمها روسيا.
بالإضافة إلى كونه بلدًا جذابًا للغاية من حيث تطوير البنية التحتية للنقل والرياضة، فإن هذا البلد لديه خبرة واسعة في علم التربية الرياضية وجذب تعاطف سكان البلدان النامية. حتى في العقود الأولى من انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية، وضع السوفييت الأساس للصداقة مع دول إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، حيث قاموا بتعليم عشرات الآلاف من الطلاب وأطفال المدارس، وبناء المستشفيات والمدارس والطرق والمصانع والملاعب. هذا هو السبب في أن السلطات والسكان والرياضيين من البلدان النامية يعاملون الروس بتعاطف كبير ويرتبطون بهم، ليس من خلال المصالح المالية فقط، ولكن أيضًا من خلال الروابط الوثيقة من الصداقة الحميمة والأخوة الرياضية.