*ولايــة نهــر النيــل … غضبة الحلـــيم*
علي عسكوري
أخيرا حسمت قيادات ولاية نهر النيل أمرها وحددت خياراتها وقالت كلمتها التي سيكون لها ما بعدها.
ظلت موارد الولاية تتعرض لنهب منظم من الحكومة المركزية لعقود وبحَ صوت سكان الولاية وهم يجأرون بالشكوى دون أن يأبه أحد في المركز لشكواهم وتظلماتهم. بل علي النقيض من شكواهم، – ورغم التهميش وبؤس الخدمات في التعليم والصحة والبنيات الأساسية ـ ظلوا يواجهون حملة منظمة تتهمهم سرا وعلانية بأنهم ( كاتلين جدادة الدولة السودانية وخامين بيضها) رغم مظاهر الفقر وبؤس الحال الذين لا تخطئهم عين. و الآن اتضح أن هذه الحملة التي تسعي لتحميل سكان الولاية فشل الدولة السودانية منذ استقلالها ما هي في حقيقتها إلا غطاء سياسي لإيجاد مبررات لنهب موارد الولاية وصرفها في مناطق أخري من البلاد، لتظل الولاية في فقرها المدقع وبؤسها وظلامها! فعندما تضرب الكوارث الطبيعية من سيول وفيضانات الولاية لا يجد سكان الولاية بواكي عليهم ولا يجدون من يقدم لهم يد العون، بل يقتصر حديث الحكومة المركزية علي (طق الحنك) ثم سرعان ما ينصرف مسئولوها إلى أمر آخر تاركين الضحايا يكابدون المأساة لوحدهم.
الآن انتبه سكان الولاية إلي الظلم الواقع عليهم وأن مواردهم تنهب أمام أعينهم بينما هم يتركون نهبا للأمراض والدمار البيئي. تقول التقديرات المتحفظة ان حوالي 2 مليون معدن من خارج الولاية يعملون بها إضافة لعشرات الشركات السودانية والأجنبية، في كل ذلك لا يجد أبناء الولاية أفضلية في التوظيف في الشركات ولا أولوية في تصاديق الاستثمار في التعدين، بل واقع الحال يقول أن أكثر من ترفض طلباتهم للاستثمار هم أبناء الولاية، ولا تمنح لهم اي ميزة تفضيلية كمواطنين بالولاية، ويتم التصديق لمن هم من خارج الولاية دون مراعاة لحقوق أبناء الولاية الذين يرغبون في الاستثمار في موارد ولايتهم. و حقيقة ليس هذا الحال وقفا علي التعدين، بل يشمل جميع مجالات النشاط الاقتصادي من زراعة واسمنت وكهرباء وغيرها.
إضافة لذلك، لا تواجه الولاية نهبا للموارد فقط، بل أصبح أبناؤها المؤهلين يواجهون حربا شعوا في التعيين في الوظائف القيادية في الخدمة المدنية، وقد شنت سيئة الذكر لجنة التفكيك حملة منظمة لفصل أبناء ولايتي نهر النيل والشمالية من الخدمة المدنية لا لسبب إلا أنهم من مواطني الولايتين. بجانب أبناء نهر النيل والشمالية يعاني ذات الأمر أبناء شرق السودان بولاياته الثلاثة، فما رشح احد من هذه الولايات الخمسة إلا تم استبعاده من جهات معلومة أصبح لها اليد العليا في الدولة تنهي وتأمر وتقبل وترفض معتمدة علي المعيار الجهوي فقط، رغم أن شركاتها تنهب في موارد كل تلك الولايات.
أن الاستهداف الذي تواجهه هذه الولايات من نهب مواردها واستبعاد المؤهلين من أبنائها أصبح مفضوحا لا يحتاج الي دليل، وبالطبع لم يكن من الممكن أن يصمت أهل الولايتين وشرق السودان علي ما يجري من نهب لمواردهم وما يجرى في حق أبنائهم.
في خطوة كانت متوقعة انتظرها أهل الولاية طويلا احتشدت قيادات الولاية الشعبية والأهلية وجمهرة من المثقفين والمتقاعدين من النظامين والناشطين أول أمس لتعلن عن تكوين (التحالف الأهلي لولاية نهر النيل لاسترداد الحقوق) – يعرف اختصارا بــ (تهراقا)، الهدف الأساسي للتحالف هو وقف نهب موارد الولاية و حماية حقوقها وحقوق سكانها والاهتمام بتنميتها وبنائها.مما يجدر ذكره إن لولاية نهر النيل تحالف قديم مع الولاية الشمالية وهما في واقع الحال ولاية واحدة قسمها المؤتمر الوطني بقصد سياسة فرق تسد، فما يجري في ولاية نهر النيل من نهب للموارد يجري بكامل التفاصيل في الولاية الشمالية. فقد شيدت الحكومة الاتحادية خزان مروي فأغرقت مجتمعات كبيرة من الولايتين وأخذت الكهرباء وتركت الولايتين في ظلام دامس، وذهبت لتبيع الكهرباء في مناطق أخري ليذهب عائدها الى آخرين، هذا نهب للموارد في وضح النهار و (قوة عين تثير الدهشة)، تدفع الولايتين تكلفته بينما يستفيد من بيع الكهرباء آخرون. لقد نتج هذا النهب نتيجة لتراخي سكان الولايتين في المطالبة بحقوقهم والتعامل بسبهللية مفرطة مع قضايا جوهرية وتفريط في حقوق الولايتين يستوجب المسآلة ! لقد حان أوان وقف هذا النهب وان يضع سكان الولايتين يدهم علي كامل كهرباء السد لاستغلالها في الاستثمار الصناعي لتنمية الولايتين، إذ كيف يمكن تنمية الولايتين إن كانت الطاقة التى ينتجانها تذهب للاستهلاك المنزلي والخدمي في مناطق أخري. أليس صادما أن تمر كهرباء السد فوق رؤوس السكان وهم يعيشون في ظلام دامس! لماذا لا تمنح الولايتين أفضلية في خدمات الكهرباء وتخفيض أسعارها لمن يستثمر في الولايتين حتى تبدأ التنمية الصناعية فيهما، فالطاقة هي أساس النهضة وللولايتين ما يكفي من إنتاج ليوفر قاعدة صناعية لتنميتهما. ولكنها حكومات الخرطوم المتعاقبة التي تنهب كل شىء وتأخذ موارد الولايات لصرفها في أمور لا قيمة لها.
من واقع جلسات مؤتمر (تهراقا) فإن سكان الولاية يرفضون ما يسمي بالاتفاق الإطاري ويرفضون التدخل الدولي برباعيته، كما قرروا أن (قحت) لن تحكمهم مهما حدث (وإن قعقع لهم احد بالشنان فهم جاهزين)، ( وتنقد الرهيفة إن شاء الله ما تتلتق كما قال أحدهم)، يفعلون كل ذلك بتنسيق تام مع الولاية الشمالية وولايات الشرق الثلاثة ولتذهب قحت واتفاقها الإطاري لتبحث عن قوم تحكمهم به.
إضافة لذلك في برنامجها المعلن ستتحرك قيادات (تهراقا) للتنسيق مع قيادات ولاية الخرطوم والإقليم الأوسط لتشكيل تحالف الولايات لرفض الإتفاق الإطاري والتمسك بحقوق الولايات في مواردها.
أن ميلاد (تهراقا) لم يأت من فراغ، فقد سبقته تحركات امتدت لسنوات لجمع كلمة سكان الولاية وتوحيد إرادتهم للوقوف علي حقوق الولاية ووقف نهب الموارد وتسلط الحكومة المركزية والمجموعات المنبتة التي تسعي – مدعومة بالأجنبي – لفرض إرادتها ومصالحها علي سكان الولايات وهو أمر انتبهت له الولايات المختلفة وحشدت طاقاتها لرفضه ومقاومته.
إن تكوين (تهراقا) يمثل نقطة فارقة لسكان الولاية لأنه يأتى من سكان ولاية ظلوا هم المبادرين في إحداث التحولات السياسية في السودان. ولذلك أصبح مطلبهم للحكم الذاتي أمرا لا مناص منه خاصة وان الدولة سبق وأن وافقت علي الحكم الذاتي لولايتين، لذلك لا يخامرني ادنى شك في قدرة سكان الولاية علي تحقيقه ، فهولاء أهلي وأنا اعرف قوة شكيمتهم وصلابة معدنهم وشدة بأسهم فما خرجوا لهدف إلا أنجزوه او هلكوا دونه.
خلاصة القول إن بلادنا موعودة بتحول جذري في طريقة الحكم، فالحكم الفدرالي أصبح ضرورة ملحة يشمل ذلك الحكم الذاتي للولايتين ولشرق السودان ولكل ولاية يطلبه أهلها. في غير ذلك يصعب التنبوء بالمآلات التي ليس اقلها تشظي البلاد وذهاب ريحها.
مرحبا بتهراقا قوة مجتمعية ضاربة تتحدث باسم سكان الولاية من أجل تحقيق أهدافهم التى أعلنوها