كشفت دراسة أجرتها مجموعة الشفافية وتتبع السياسات في السودان،
عن تسرب كمية ضخمة من الزئبق إلى إحدى المناطق التي تشهد عمليات تعدين عشوائي منذ سنوات طويلة.
ويستورد السودان 4 آلاف طن من الزئبق، ما يُلقي بمخاوف من تسرب نسبة كبيرة منه في التربة بمواقع إنتاج الذهب.
وتُعادل هذه الكمية 4 أضعاف ونصف أو يقارب الـ 450% من حجم التجارة الدولية الرسمية للزئبق في 2020 المقدرة بـ 891 طن..
وتناولت الدراسة ما أطلقت عليه لعنة الذهب في السودان تحت عنوان: “كيف يسمم الزئبق أمة”.
وافادت إن شركة سودامين ــ حكومية، وافقت اعتبارا من 25 أكتوبر 2021 على تراخيص لاستيراد 4 آلاف طن من الزئبق
وأشارت إلى أن سودامين التي تحتكر استيراد الزئبق والسيانيد والكيمياويات المستخدمة في قطاع تعدين الذهب،
تعاقدت في منتصف 2021 من الباطن مع شركة خاصة مرتبطة بشخصية سياسية بارزة منخرطة في إنتاج الذهب من أجل استيراد ألفي طن من الزئبق وجرى استيراد 400 طن منها.
وكشفت الدراسة، التي حصلت عليه “سودان تربيون”، عن توزيع سودامين الزئبق المستورد من متعاقدين
معها بالباطن على نقاط البيع الأساسية في الخرطوم وأسواق الذهب في الولايات،
دون رقابة أو إشراف بيئي أو صحي على هذه التجارة.
وأفادت بأن الشركة الحكومية تحولت إلى وسيط يبيع حقه في الاحتكار إلى شركات خاصة لتستورد الزئبق باسمها، وتأتي غالب الواردات من الإمارات.
كما أنها طلبت من وزارة المالية في 26 أبريل الفائت الموافقة على التعاقد مباشرة
مع 5 شركات لاستيراد 80 طنا من الزئبق و600 طنا من السيانيد و400 طن من الكربون.
ويُعتبر الزئبق أحد المعادن شديدة السُمية، كما أنه يمثل خطرا على صحة الإنسان
خاصة الجهازين العصبي والهمضي والكلى والرئتين والجلد والعين،
وقد يتسبب في وفاة من يتعرض له بكميات كبيرة، علاوة على تأثيره على الأجنة وتلوثيه للهواء والمياه والأرض.
وتمتلك شركة الجنيد المملوكة لقوات الدعم السريع 34% من أسهم شركة سودامين
فيما البقية تتبع لوزارة المالية وبنك السودان المركزي. وتمتلك سودامين عدد من الشركات وأسهم في شركات عديدة.
وقالت الدراسة إن شركات المعالجة تستورد كميات غير معروفة من الزئبق دون موافقة مسبقة
أو تعاقد مع شركة سودمين التي تسمح في بعض الحالات لهذه الشركات بتخليص الشحنات من الميناء، بناء على اتفاق تحصل بموجبه على نسبة مئوية من الزئبق عينًا.
رعب دائم
وذكرت الدراسة إن العاملين في جميع مواقع التعدين التقليدي يستخدمون الزئبق لاستخلاص الذهب، عبر عدة طرق،
أهمها: الغسل في الأحواض حيث يغسل العمال الخام في آنية معدنية ملئية بالزئبق ثم يغمرونه في بركة مياه صغيرة مخلوطا بالزئبق الذي يتسرب جزء إلى التربة.
والطريقة الأخرى، وفقًا للدراسة، هي الغرابيل التي تُنصب على قيعان الأنهار ومجاري المياه الجافة للحصول على رواسب الذهب،
حيث تستخدم الآلات الثقيلة لتجريف التربة للحصول على الخام الذي يُعالج بالغربلة ثم يُغسل باستخدام الزئبق.
وقالت إن طريقة الغرابيل شديدة التأثير على البئية، إذ يغير التجريف مسارات مجاري المياه الطبيعية ونظم التصريف، وعبره ينتشر الزئبق على نطاق واسع بنقله إلى مواقع بعيدة.
وأفادت الدراسة باستخدام 10 – 12 جرام من الزئبق مقابل كل جرام من الذهب.
وأضافت: “باستخدام التقدير الأقل وهو 10 جرامات نجد أن السودان وفقًا للإحصائيات الرسمية أنتج 438.4 طنا من الذهب في 2014 إلى 2020 غير الكميات التي تُهرب، مما يعني استخدام 626.2 طنا من الزئبق سنويًا”.
ووضعت سوق العبيدية، شمالي السودان، كدراسة حالة وهو سوق يضم 560 مجمعا من الطواحين الرطبة وفي كل مجمع ما يترواح بين 10 إلى 50 صحنا “سطل”،
حيث يطحن الصحن الواحد في الطاحونة متوسط 10 جولات سعة 100 كيلو جرام يوميًا.
وقالت إنه بمتوسط عدد الصحون 20 صحنا في 560 مجمعا، وبما أن الصحن يتطلب 500 جرام من الزئبق على الأقل في اليوم،
يعني إن 5.6 طنا من الزئيق تستخدم يوميا في السوق.
وتابعت: “لاحظنا أن كل مطحنة تفقد أكثر من 60 جراما من الـ 500 جرام المستخدمة في عمليات الاستخلاص لكل 10 جولات،
مما يعني تسرب 672 كيلو جرام من الزئبق إلى البيئة يوميًا”.
وفي 18 أغسطس الفائت، رفع محتجون في منطقة العبيدية، اعتصاما استمر نحو ثلاث أسابيع
بعد تلقيهم تعهدات من الحكومة بالاستجابة لمطالبهم المتصلة بالخدمات والتنمية.
وغدا الذهب جانباً حيوياً في اقتصاد السودان الذي يمر بأزمة حادة في ظل تباطؤ معدل النمو وانخفاض القوة الشرائية نتيجة لتدني قيمة العملة المحلية.
أخطار متعددة
وينتج العاملون في القطاع التقليدي 81.6% من إجمالي الذهب في السودان، فيما تنتج شركات الامتياز 7.7% إما البقية فهي تُنتج بواسطة شركات معالجة مخلفات التعدين.
ويستخلص العاملون في قطاع التعدين التقليدي 30% من الذهب في الخام باستخدام الزئبق.
وقالت الدراسة إن شركات المعالجة تُعالج المخلفات التي ينتجها المعدنون الحرفيون،
حيث يمكنها استخراج ما يصل إلى 95% من الـ 70 المتبقية من الذهب بواسطة السيانيد.
وأشارت إلى أن إعادة المخلفات الملوثة بالزئبق باستخدام السيانيد يضاعف من الآثار البيئية،
حيث أن تكلفة معالجة جرام واحد من سياند الزئبق يحتاج إلى أكثر من 360 دولار وهي قيمة أعلى من الذهب المنتج.
وذكرت الدراسة إن غالبية شركات الامتياز الـ 9 تعتمد على الخام الذي يوفره عمال المناجم الحرفيون الذين يعملون داخل مناطق الامتياز الخاصة بها.
وقيم مواطنو بلدة الفداء وهي أحدى قرى المناصير بمحلية أبو حمد بولاية نهر النيل،
منذ 23 أكتوبر الفائت اعتصاما، بعد إيقافهم عمل 7 شركات تُنقب عن الذهب، بغرض إبعاد شركات التعدين عن المنطقة.
ويشكو سُّكان ولاية نهر النيل من آثار التنقيب عن الذهب باستخدام الزئبق والسيانيد
اللذان أديا إلى تفشي أمراض السرطان والفشل الكلوي وتشوهات الأجنة
الخرطوم ـ الموجز السوداني