الخرطوم ـ الموجز السوداني
يعيش السودانيون أوضاعًا اقتصادية اعتقدوا أنها ستفارقهم بمجرد التخلص من االنظام البائد، وبينما اندلعت شرارة الثورة الشعبية في كانون الأول/ديسمبر 2018 من مدينة عطبرة شمال البلاد احتجاجًا على رفع أسعار الخبز إلى جنيهين؛ أصبحت تباع القطعة اليوم بعد ثلاث سنوات بـ(50) جنيهًا.
وكان السودانيون يأملون الخروج من الأزمة الاقتصادية بعد الإطاحة بالنظام البائد، ولم تفلح هذه الآمال في الاقتراب من السودانيين حتى الآن في ظل تفاقم الوضع المعيشي مترافقًا مع انعدام الأمل في تحسن قريب بسبب تعثر اتفاق المدنيين والعسكريين.
كمبريسي: فقد السودان تعهدات دولية بقيمة أربعة مليار دولار بسبب الانقلاب
وسجل سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي في السوق الموازي استقرارًا نسبيًا في نطاق (560) جنيهًا منذ ثلاثة أشهر عقب سلسلة من الهزات التي تعرضت لها العملة المحلية؛ إلا أن التضخم يلتهم النقود التي بحوزة المواطنين، ويُصنف السودان ضمن الدول الأعلى في نسبة التضخم وتكلفة المعيشة
وتقول محاسن وهي ربة منزل تقطن شرق الخرطوم لـ”الترا سودان”، إنها اشترت “الجبنة المالحة” بسعر (3500) جنيه، ما يعادل ستة دولارات أمريكية، وسعرها قبل شهور كان (1200) جنيه، أي ما يعادل نحو دولارين، مشيرة إلى الفرق في الأسعار بين اليوم والعام الماضي.
وهناك أسباب أدت إلى انكماش الاقتصاد واصطدامه بعقبة الركود في ظل هجرة الأنشطة الاستثمارية في الشهور الأخيرة، مع غموض الأجواء السياسية التي تنعكس على الوضع الاقتصادي بسبب مخاوف المستثمرين.
وخسر السودان بعد الإجراءات العسكرية التي نفذها قائد الجيش في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي نحو ملياري دولار عبارة عن قرض من البنك الدولي و(700) مليون دولار من المعونة الأميركية و(650) مليون دولار من صندوق النقد الدولي لموازنة العام الجاري.
ويقول مسؤولون سابقون في الحكومة الانتقالية، إن “السلطة الانقلابية بدلًا من التوقف عن الانقلاب وإخماد الثورة أصرت على المضي قدمًا في خطتها الفاشلة وخسر السودان مساعدات دولية”.
ويقول نائب محافظ البنك المركزي السابق فاروق كمبريسي لـ”الترا سودان”، إن السودان فقد جراء الانقلاب العسكري أربعة مليارات دولار، وهي التعهدات الدولية للحكومة الانتقالية التي أطاح بها قائد الجيش، مضيفًا أن هذه المساعدات إلى جانب سلسلة من الإصلاحات الداخلية
كانت ستساهم في تحسين الوضع المعيشي بشكل متدرج اعتبارًا من هذا العام، واستقرار الخدمات العامة.
ولم تقتصر الخسائر التي لاحقت السودان عقب الإجراءات العسكرية في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي على المساعدات الدولية فقط، بل فقدت البلاد نحو مليار دولار من تعثر تسويق إنتاج القطن.
وقدرت غرفة المصدرين خسائر تسويق القطن في ورشة الصادرات الأسبوع الماضي بأكثر من مليار دولار، خاصة وأن السودان زرع العام السابق هذا المحصول في مساحة لا تقل عن مليون فدان بمتابعة مباشرة من مجلس الوزراء.
ويقول المحلل الاقتصادي أنور حسن لـ”الترا سودان”، إن الوضع الاقتصادي يشبه “بركانًا يقترب من الانفجار”، ولولا تماسك المجتمع السوداني لتحولت الثورة الشعبية السلمية إلى ثورة جياع – على حد تعبيره
ويؤكد حسن أن عودة السودان إلى مسار الإصلاح الاقتصادي مرهون بتراجع الجيش عن تعنته في تسليم السلطة إلى المدنيين، وأوضح أن السودانيين لن يسمحوا مجددًا بسيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة حتى لو خسروا كل شيء.
وتحايلت السلطة الاقتصادية في الأشهر الأخيرة لوضع رسوم وضرائب منظورة وغير منظورة على السلع والخدمات العامة، ومؤخرًا فرضت ضريبة جديدة على الإنتاج بنسبة (1%) تشمل الزراعة والصناعة والصادرات
كما زادت أسعار الكهرباء مرتين على التوالي مطلع هذا العام، لتنعكس على تكاليف الصناعة والزراعة والخدمات التجارية، وارتفعت فواتير الكهرباء في القطاع الصناعي والزراعي بنسبة (600)%.
ويقول المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين وليد علي أحمد لـ”الترا سودان”، إن وزارة المالية عبر ديوان الضرائب أخفت رسومًا جديدة ولم تعلنها لكنها سارية منذ شهور
ويرى متحدث تجمع المهنيين السودانيين أن “السلطة الانقلابية” تلجأ إلى الرسوم المنظورة وغير المنظورة لتغطية النفقات الحكومية المرتفعة بسبب الصرف الأمني على مكافحة الاحتجاجات – على حد قوله.
وأضاف: “قبل شهرين وضع ديوان الضرائب رسمًا جديدًا وغريبًا وهو رسم العقارب والإنتاج بنسبة (1%) أي إذا كنت تجمع العقارب لتصديرها فإن الدولة تملك الحق في خصم (1%) من الإنتاج”.
وأشار متحدث تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي أحمد، إلى أن زيادة معدلات الضرائب الحكومية على المواطنين جاءت أيضًا بسبب تآكل المؤسسات الحكومية وشلل الأنشطة الاقتصادية الإيرادية بسبب الانقلاب العسكري، والذي انعكس على الأمن والاقتصاد والوضع السياسي والاستثمارات.
ومع استمرار حالة الغموض والاضطراب السياسي وتوقعات أممية بحدوث فجوة غذائية تمتد إلى (18) مليون شخص هذا العام، تتزايد مخاوف السودانيين من انتقال الأوضاع إلى مرحلة اللاعودة.
ناشط: حتى لو قرر السودانيون منح النظام العسكري فرصة الحكم فإنه غير قادر على تقديم الخدمات والوضع المعيشي الأفضل للمواطنين
ويقول محمد عبد الرحمن وهو ناشط في مجال العمل الطوعي لمساعدة العائلات الفقيرة لـ”الترا سودان”، إن الاستقرار الاقتصادي أصبح حلمًا لدى السودانيين خاصة في الشهور الأخيرة.
ويرى أن النظام العسكري حتى لو قرر السودانيون منحه فرصة الحكم فإنه غير قادر على تقديم الخدمات والوضع المعيشي الأفضل للمواطنين، لأنه استعان بكوادر النظام البائد وهم معروفون بالفساد والمحسوبية
ويضيف قائلًا: “الانقلابيون لا يساعدون أنفسهم بالتفكير الأفضل ناهيك عن تقديم شيء للشعب