الخرطوم – الموجز السوداني
نادرًا ما كان السودانيون يلجأون إلى شراء “الآبري” في السنوات الماضية، لكن مؤخرًا أصبحت “رقائق الذرة” التي يستخلص منها المشروب الرئيسي في شهر رمضان تُباع عبر خدمة التسويق الإلكتروني والتوزيع في المراكز التجارية بالعاصمة والمدنن بينما لا تزال الأرياف تصُمد متحديةً التغييرات الاجتماعية باستمرار النفير الجماعي لنساء الحي.
ويفضل السودانيون “الآبري” في شهر رمضان ضمن المشروبات الرئيسية في الإفطار ويتكون من الذرة والبهارات ويطلقون على المشروب الذي يستخلص منه اسم “الحلو مر”، لأن مذاقه خليط بين السكر والحموضة.
ومع استمرار الأزمة الاقتصادية في السودان أصبحت صناعة “الآبري” في المنازل تُدرج ضمن السلع المكلفة بحسب ربة المنزل لمياء صالح (40 عامًا) والتي تقطن الخرطوم بحري شمال العاصمة.
وتقول هذه السيدة إن “كيلتين” من الذرة إضافة للتوابل تكلف (45) ألف جنيه ما يعادل (80) دولارًا أمريكيًا.
وتُشير لمياء صالح إلى أن الوضع الاجتماعي تبدل وانحسرت ظاهرة النفير بين النساء، وتضيف: “في الماضي كانت نساء الحي يساعدن بعضهن بالتناوب بين المنازل”.
و”نفير الآبري” في السودان يقوم على مشاركة النساء في الحي بالتناوب بين المنازل، وتطلق على هذه العادة المهددة بالاندثار “عواسة الآبري”، وتتجمع نساء الحي في منزل جارتهن لساعات طويلة خلال اليوم وفي بعض الأحيان تتحول إلى فرص سانحة لمعرفة الأخبار الاجتماعية.
وهناك سلسلة من التجهيزات تسبق مرحلة “العواسة” بتمرير العجين بـ”قرقريبة” على لوح حديدي “الصاج” والطهي على النار بتمريره على الصاج، شريطة أن يتعرض لدرجة حرارة عالية بإشعال الحطب
ومن المهم أن نشير إلى أنه لا يمكن الوصول إلى مرحلة “عواسة الآبري” دون المرور بالعمليات المنزلية السابقة للعواسة، حيث تبدأ بزراعة الذرة في مساحة مقدارها أقل من مترين في فناء المنزل، واستخلاص الأعشاب المُنتبة خلال فترة تتراوح بين خمسة إلى سبعة أيام، وطحنها وإضافتها إلى التوابل والذرة.
وتقول لمياء صالح: “عندما يتم وضع التوابل في عجين الذرة ويفضل الفتريتة لأنها لونها أحمر، يضاف إليها الزنجبيل والخولنجان وتترك في قدح كبير. وفي هذه المرحلة تسمى “الكوجين” بخلط جميع المكونات مع وضع “عجين الخميرة” حتى يحصلن على المذاق الحامض الممزوج بالمذاق الحلو.
وتابعت: “الآن انحسرت ظاهرة نفير الآبري بين ربات المنازل بسبب الضائقة الاقتصادية والتغييرات الاجتماعية، واتجهت النساء إلى الحصول على الآبري عبر الشراء لتفادي سلسلة طويلة من الإعداد، أو اللجوء إلى عاملات يقدمن خدمة العواسة مقابل (1.5) ألف جنيه للربع”.
وفي بعض الأرياف خارج الُمدن تلجأ النساء إلى نفير من نوع آخر بالذهاب إلى المنزل المحدد لـ”عواسة الآبري”، ويقتسمن العجين ويذهبن الى المنزل لـ”العواسة” بشكل فردي وجمعها في نهاية اليوم فيما يعرف شعبيًا بـ”الطرقات”.
وتُدرج النساء في هذه المجتمعات هذا النشاط الاجتماعي ضمن العمل الروتيني اليومي لتقليل التكلفة المادية والمجهود البدني على ربة المنزل
وتوضح روعة وهي موظفة في القطاع الخاص وربة منزل في حديث لـ”الترا سودان”، إن هذه الظاهرة تخفف على المنازل النفير الجماعي للنساء لأنهن يحتجن إلى الأكل والشراب لفترة لا تقل عن عشر ساعات
وتشير روعة إلى أن إعداد “الآبري” أصبح مكلفًا ولم يعد كما كان في متناول اليد، إلى جانب سرعة الحياة والتغييرات الاقتصادية أدت إلى تراجع ظاهرة النفير الجماعي لسيدات الحي.
في مرحلة لاحقة يأتي استخلاص مشروب الحلومر من “الآبري”، أي بنقعه في وعاء مليء بالماء الصافي لنصف يوم ومن ثم إضافة السكر ووضعه في البراد حتى يحصل على التبريد ويُقدم للصائم في أكواب بلون داكن يشبه لون الكوكا كولا.
وتقول الخبيرة في مجال التراث الشعبي حياة عبد الله لـ”الترا سودان”، إن “الآبري” مشروب سوداني يفضله حتى المهاجرون ويطلبونه من الخارج وترسل إلى هناك بكميات كبيرة.
وترى حياة عبد الله أن مشروب الحلو مر ذات فوائد عالية فهو يقي من العطش خلال ساعات الصيام ويشكل فرصة للتغذية بسبب مكوناته من الذرة والتوابل