تعويم سعر الصرف وسقوط الجنيه.. من يتحمل المسؤولية؟

عندما تبنى بنك السودان سياسة تعويم سعر الصرف قبل حوالى ثلاث اسابيع اوضحت فى مقال سابق ان الوقت والظرف السياسى لا يناسبان سياسة تعويم سعر الصرف إذ أن قرار التعويم فى الوقت الحالى بمثابة بداية لسقوط العملة الوطنية وذلك لعدم توفر شروط نجاح تعويم العملة فى الوقت الحالى.

أول هذه الشروط عدم وجود إحتكار فى البيع والشراء وذلك لإفساح المجال أمام ألية السوق الحر للتسعير العادل. قرار بنك السودان الأخير يعطى البنوك التجارية الصفة الاحتكار ية للتجارة فى العملة الوطنية. وجود محتكر حتى لو كان المحتكر مجموعة بنوك تجارية تنسق فيما بينها فى ظل غياب آليات رقابة للدولة أو البنك المركزى يضعف المنافسة الحرة وهو شرط أساسى لأداء السوق دوره بكفاءة ، لأن المحتكر فى النهاية سيستغل وضعه الاحتكارى لتعظيم ارباحة من خلال عمليات بيع وشراء صورية مستمرة . فى ظل الضعف الرقابى وآليات المتابعة للبنك المركزى هناك فرصة كبيرة ان تستفيد البنوك من سياسة التعويم والصفة الاحتكار ية الممنوحة لهم لتحقيق أرباح طائلة من عمليات البيع والشراء للعملات الحرة وذلك من خلال رفع اسعار العملات الحرة للبيع ومن ثم شرائها للبيع لاحقا بنفس طريقة تجار سوق العملة سابقا. بالمناسبة ما يسمى تجار سوق العملات فى السابق هم البنوك انفسهم حيث يستخدمون افراد من تجار العملات الأجنبية للبيع والشراء نيابة عنهم. الآن بعد قرار بنك السودان الأخير الذي أعطاهم حق حصري فى البيع والشراء للعملات اتوقع ان يمارسوا نفس انشطة تجار العملة.

الشرط الثانى لنجاح سياسة التعويم هو الاستقرار السياسى النسبى الذى يضمن على الأقل عدم استخدام الملف الاقتصادى فى الصراع السياسى كما هو الحال فى السابق من خلال قفل الموانئ والطرق القومية قبل وبعد الانقلاب وذلك بغرض اضعاف السلطة الحاكمة اى كانت. هذا بالإضافة لاستخدام بعض النافذين فى السلطة قبل انقلاب ٢٥ أكتوبر منظمات المجتمع المدنى ونفوذهم لإيقاف المساعدات المالية والفنية الخارجية عن السودان فى الوقت الحالى.

الشرط الثالث وجود احتياطى معتبر من العملات الحرة لدى البنك المركزى وهذا غير متوفر فى الوقت الراهن إذ يعتبر الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية لدى البنك المركزى فى أضعف حالاته حسب توقعاتى.

الشرط الأخير هو توفر آليات سياسة نقدية فاعلة للبنك المركزى ليتمكن من التحكم فى الكتلة النقدية وإدارة السياسة التمويلية فى القطاع المصرفى وهذا ايضا لا يتوفر فى الوقت الراهن.

نتيجة لكل الأسباب المذكورة اعلاهم اتوقع استمرار انخفاض قيمة الجنيه السودانى حتى يصل إلى مستوى لا يمكن تحمله ليتراجع بنك السودان بعد ذلك من سياسة التعويم ويرجع لسياسة التحكم وعندئذ سيظهر السوق الأسود للعملات الحرة مرة اخري اكثر قوة الأمر الذى يتسبب فى مزيد من خراب إقتصادى. واذا حصل ذلك ينبغى عدم ترك الأمر هكذا بل يتطلب اقالة محافظ البنك المركزى الحالى الذى تسبب فى الكارثة الاقتصادية المتوقعة باعتباره المسؤول الأول لتبنى سياسة التعويم الفاشلة بالرغم من عدم توفر شروط نجاحها.

الله المستعان
بروفيسور ابراهيم اونور
جامعة الخرطوم

قد يعجبك ايضا
الموجز السوداني
error: Content is protected !!