ربكة في الجيش بسبب زيادة أسعار السلع 

الخرطوم – الموجز السوداني 

انعكست تعقيدات الوضع السياسي في السودان سلباً على قدرة السلطة الحاكمة لتمرير خططها في مجالات مختلفة، وبدا الارتباك مهيمناً على التوجهات العامة لمجلس السيادة الذي اتخذ قرارات اقتصادية بزيادة أسعار غاز الطهي ثم تراجع عنها في اليوم نفسه.

وتراجعت السلطة السودانية دون أن تعلن عن أسباب اتخاذ القرار أو التراجع عنه، بعد أن أحدث حالة من الرفض والتذمر الواسعين نتيجة تأثر أسعار الخبز بالخطوة، والتي كان من المتوقع ارتفاعها بشكل ملحوظ.

وأعلنت وزارة الطاقة والنفط السودانية عن زيادة جديدة في أسعار غاز الطهي للمرة الثانية في فبراير الجاري، بنسبة 167 في المئة، وبحسب منشور زيادة الأسعار سيترفع سعر الأسطوانة زنة 12.5 كيلوجراما من 2.7 دولار إلى 7 دولارات قبل أن تعمم الوزارة قرارها بالعودة إلى السعر السابق لأسطوانة غاز الطهي.

وعزا سياسيون التراجع السريع لوجود رؤى متعارضة بشأن التعامل مع التوجهات الاقتصادية التي قد تكون لها ارتدادات على مستوى تصاعد زخم المظاهرات التي خفتت حدتها في الآونة الأخيرة، ما يمنح القوى المدنية حالة من الانتعاش في الشارع تجعلها قادرة على استقطاب فئات لم تكن مؤيدة لحراكها الشعبي.

وبالنظر إلى طبيعة المشهد القائم في السودان فإن حالة الهشاشة التي تعاني منها الأطراف المسيطرة على سلطة اتخاذ القرار، وتتراوح بين الجيش وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة وبعض الأطراف المدنية، من الطبيعي أن تفرز هذا الارتباك الذي يظهر مع كل قرار يجري اتخاذه على مستوى رفع الأسعار أو خفض معدلات دعم الحكومة للسلع والخدمات المختلفة.

وتؤشر عملية اتخاذ مثل هذه القرارات بصورة مفاجئة وسرعة التراجع عنها على أن هناك خلافات في الرؤى بين أطراف السلطة الحاكمة، ويبرهن على أن الوزراء المكلفين الذين يقومون بتسيير الأعمال لا يعملون كوحدة واحدة في ظل عدم وجود رئيس حكومة، ووجود وزراء مكلفين ومحسوبين على الحركات المسلحة يقبعون في مناصبهم وفقًا لنص اتفاق جوبا للسلام.

ولفت القيادي في اتحاد وكلاء الغاز فضل ياسين في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى وجود صراع بين الجهات المختصة حول تحرير الأسعار ورفع الدعم عن الغاز، حيث يرى البعض ضرورة تحريره تدريجياً، بينما عبّر آخرون عن رغبتهم في تحريره بشكل كامل وإعلان التسعيرة العالمية.

وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن أحد أسباب التراجع عن القرار يعود إلى رفض رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ومن خلفه ممثلي الجيش في مجلس السيادة خطط وزير المالية جبريل إبراهيم، وهو رئيس حركة العدل والمساواة نحو التعامل مع زيادات الأسعار بتلك الطريقة التي قادت إلى رفع أسعار غالبية السلع والخدمات في غضون فترة قصيرة.

 

وأضاف المصدر ذاته، شريطة عدم ذكر اسمه، أن المكون العسكري لديه قناعة بأن وزير المالية يذهب باتجاه زيادة الأسعار وخفض ميزانية الدعم لإيجاد مصادر دعم أنشطة الحركات المسلحة في دارفور من ميزانية الدولة في ظل توقف الدعم الخارجي وعدم تنفيذ بنود اتفاق جوبا للسلام، وهو أمر يواجه رفضا من غالبية ممثلي مجلس السيادة الذين يخشون من سكب المزيد من الوقود على نيران الاحتجاجات المستمرة.

وأكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا الدولية محمد خليفة صديق أن حالة السيولة السياسية نتيجة عدم تعيين رئيس للوزراء والاستعانة بحكومة مكلفة يقتصر دورها على تصريف الأعمال ما ساهم في وجود جملة من المشكلات بين الوزراء المكلفين ونظرائهم من الحركات المسلحة في وزارات الحكم الاتحادي والطاقة والمالية، وأضحت هناك حلقات مفقودة بين الوزارات المختلفة أدت إلى هذا الارتباك الذي يظهر حاليًا.

وتراجعت السلطات السودانية أيضَا عن رفع أسعار الخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية بسبب الرفض الواسع لها من قبل القطاعات الطبية والمواطنين.

وسبق أن تراجع مجلس السيادة عن زيادة أسعار الكهرباء وشكل لجنة لمراجعتها قبل أن تقرر عودة الزيادات ثانية، لكنها استثنت بعض الفئات المرتبطة بالزراعة منها.

وأشار خليفة في تصريح لـ”العرب” أن السودان يعاني من عدم وجود حكومة قادرة على ضبط الأسواق وهناك حالة من الفوضى تعم في أرجائها نتيجة الزيادات العديدة المضطربة، وتكون للأمر ارتدادات مباشرة على المواطنين، وأصبح الحديث عن الصعوبات الاقتصادية حاضراً إلى جانب الأزمة السياسية المتفاقمة.

وأوضح أن إيقاف الزيادات يرجع بشكل أساسي إلى مخاوف السلطة الانتقالية من انضمام فئات جديدة إلى المظاهرات التي تأخذ في التراجع على الرغم من أنها لا تتطرق إلى المطالب الاقتصادية وتركز بالأساس على إنهاء حكم العسكر.

ويحاول مجلس السيادة الظهور بصورة الطرف الحريص على مصالح المواطنين وأنه يقف إلى جانب الطبقات الفقيرة ويسعى لتجميل صورته أمام الرأي العام.

وتعوّل السلطة الحاكمة على كسب ود السكان في الريف الذين لم ينخرطوا في الاحتجاجات بشكل فاعل وهؤلاء الأكثر تضرراً من زيادة أسعار الكهرباء والغاز، حيث تقودهم للعودة إلى استعمال الحطب وأخشاب الغابات التي أسهم الرئيس السابق عمر البشير في التخلص منها وفقًا لخطة اقتصادية جرى تطبيقها عام 2005، ما يجعل هؤلاء يدركون أن ما ترتب من أوضاع بعد الإطاحة به لم يكن في صالحهم.

وأكد الخبير الاقتصادي محمد الناير أن التخبط السائد في السياسات الاقتصادي يعد مهيمناً على حكومات الفترة الانتقالية نتيجة الارتباط بسياسات صندوق النقد دون مراعاة لظروف المواطن والحصول على تمويلات ومنح خارجية تساعد على تطبيقها منذ وقف الدعم الدولي مع قرارات أكتوبر الماضي.

وأشار لـ”العرب” أن الحكومة الحالية تروّج إلى أنها تنفذ سياسة الاعتماد على الموارد الذاتية لتمويل موازنة العام الحالي، وبدلاً من أن تبحث عن ثغرات تبديد الثروات الداخلية، مثلما هو الحال في تهريب الذهب والاستمرار في سياسات تصدير المواد الخام، لجأت إلى تحميل المواطنين فاتورة العجز التي تصل إلى 40 في المئة.

وأكد الناير أن الحكومة السودانية تعاقب ذاتها بالاتجاه نحو زيادة الأسعار بشكل مضطرب لأن اعتمادها على زيادة تحصيل الضرائب لتمويل الموازنة قد لا يتحقق في حال تضاعفت مؤشرات التضخم التي بلغت متوسط 395 في المئة خلال العام المالي السابق وستؤدي إلى حالة ركود تضخمي وهو وضع يستحيل معه تنفيذ موازنة العام الجاري التي تقوم بنسبة 58 في المئة على الضرائب.

قد يعجبك ايضا
الموجز السوداني
error: Content is protected !!